لا يُمكن لأحد أن يُنكر دور الطلاب في الثورات المصرية على مر التاريخ الحديث، أكثر من مائة عام مرّت على نشأة الجامعة المصرية التي تأسّست عام 1988ومن وقتها والنشاط الطلابي مثير للاهتمام، خاصّة المشاركة الطلابيّة المؤثرة في القضايا السياسيّة التي تهمّ المجتمع، ولا يزال الجميع يتذكّر الوقفة الطلابيّة الحاشدة خلال ثورة 1919 ضدّ المحتل الإنجليزي وطوال الثلاثينات والأربعينات للمطالبة باستقلال مصر عن بريطانيا، وما تلا ذلك من تفاعلات مع ثورة 23 يوليو/تموز ووقفات طلابيّة مجيدة تزامنت مع العديد من الأحداث الكبرى التي هزّت مصر سواء قبل نكسة 1967 أو بعدها، أو ما تلا ذلك خلال عهدي السادات ومبارك من الاحتجاج الطلابي الحاشد، مرّة ضدّ العمل بقانون الطوارئ وأخرى ضدّ الفساد والتوريث، ومرّات عديدة لمناصرة الانتفاضة الفلسطينية، حتى أصبحت الحركة الطلابيّة المصريّة صداعاً في رأس الحكومات المصريّة المتعاقبة منذ أيام الملك فاروق وحتى الآن.
وقد بدا هذا واضحاً حينما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني من أجل استعادة الحرية والقضاء على الاستبداد الذي سيطر على كل أوصال هذا الوطن، والذي كان من أبرز ملامحه تقييد الحركة الطلابية عن طريق لوائح أمن الدولة المستبدة، وسيطرة الأمن علي الاتحادات الطلابية وعدم السماح بتكوين الأسر الطلابية أو ممارسة النشاطات، فضلاً عن تعيين أستاذة ورؤساء الجامعات؛ في محاولة من الدولة للقضاء على أي حراك طلابي.
لقد كان طلاب مصر عماد الأحداث في كل مرحلة من مراحل التاريخ المصري الحديث، كما كانوا هم الفصيل الأكبر من المشاركين في ثورة يناير، وبعدها جنى الطلاب ثمار هذه الثورة واستطاعوا طرد الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية، وإلغاء لائحة مبارك وعمل لائحة طلابية جديدة، وإجراء انتخابات اتحاد الطلاب بعد أن كانت بالتعيين، وتكوين الأسر الطلابية وتفعيل الأنشطة، وإجراء تعديلات قانونية لانتخابات رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، بعد أن كانت بالتعيين، ولأول مرة منذ ثلاثين عاما يتم تكريم طلاب مصر داخل القصر الجمهوري تتويجاً لنضال ودور طلاب مصر.
بعد بيان الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 كان إخراس الجامعات هدفاً أصيلاً للسلطة، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن فإن الجامعات المصرية أصبحت سجنا للطلاب بعد أن كانت منبرا للحريات والتعبير عن الرأي عقب الثورة، بفعل هذا الانقلاب.
أصبح القتل داخل الحرم الجامعي وخارجه كالهواء الذي يتنفسه الطلاب ليسقط منهم في ثلاثة أعوام فقط 245 شهيداً وأكثر من 5000 طالب معتقل في سجون العسكر وأكثر من 300 طالب يحاكمون عسكريا، فضلا عن اختفاء 487 طالبا وأكثر من 1000 طالب مفصول، والحكم بإعدام 10 طلاب، وإدراج أسماء 22 طالبا على قوائم الإرهاب في سابقة هي الأولي من نوعها، وأكثر من 30 طالبا لفقت لهم قضية قتل النائب العام، إضافة إلى الانتقام من أستاذة الجامعات، فقد تم قتل 13 أستاذا و اعتقال 255، وفصل 55، والحكم بالإعدام على 10 أساتذة.
كل هذا الإجرام ولم يتوقف السيسي عن عدائه للطلاب وللحرية، فأصدر قراراً جمهورياً بتحويل الجامعات إلى منشآت عسكرية وألغى انتخاب رؤساء الجامعات وجعلها بالتعيين، وألغى العمل السياسي والنشاط الطلابي داخل الجامعة، وأقر قانون الكيانات الإرهابية وتطبيق قانون التظاهر داخل حرم الجامعة، وحل كافة الأسر الطلابية، وألغى لائحة 2012 وعمل لائحة أمنية لم يشارك بها الطلاب، وألغى اتحاد طلاب مصر، وقام بتركيب كاميرات مراقبة وبناء أسوار عالية وبوابات إلكترونية على أبواب الجامعات ليس لحماية المباني والمنشآت، وإنما لتحصين نفسه من هذا المارد الطلابي الذي يسكن الحرم الجامعي.
ما يدركه السيسي ومن معه جيدا أن هذه الثورة لن تموت، أو بالأحرى أن هذه الثورة لا زالت حية، وخاصة في نفوس وأرواح الطلاب.. وأنّ كفاح الطلاب من اجلها مستمر وباق، مهما علت أسوار الوطن، أو اشتدت وطأة حكامه على الشعب بكافة أطيافه ، وفي القلب منهم الطلاب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.