ليتسع صدر القارئ العزيز إن طُرحت عليه أهم أفكار التقنية النووية بحكم تخصص كاتب تلك السطور، وأطمئن القارئ بعدم القلق؛ إذ المقال بدون سرد لمعادلات أو استفاضة في تفاصيل تلك التقنية، أما السبب فلسوف نستنتجه عما قليل عن علاقة مصر بالقنبلة النووية من وجهة نظر مختلفة؟!
لربما خطر سؤال علمي بسيط أو افتراض من أحد القراء في المجال العلمي عن اليورانيوم الموجود في باطن الأرض.. لماذا لم ينفجر بصورة مفاجئة بفعل نظرية الكتلة الحرجة؟! مبدئياً أقول للقارئ بأن ذلك حدث بالفعل، ولكن في ظروف نادرة جداً في مفاعل نووي طبيعي (مفاعل أوكلو بالغابون وحدث منذ ما يقرب من 1.7 مليون عام) تكون بسبب تجمع رواسب اليورانيوم، ولكنها كما قلت نادرة جداً، والنادر لا حكم له، ولا يصح القياس عليه.
إذاً ما السبب لطرح التساؤل السابق؟ لماذا لم تنفجر ترسبات اليورانيوم عادة؟! نفهم ذلك إن عرفنا سبب انطلاق الطاقة النووية، إذ باصطدام النيوترونات بذرات اليورانيوم تنفجر ذرات اليورانيوم (في ظروف خاصة)، منتجة طاقة هائلة، وفي نفس الوقت ينتج مع الانفجار من 2 إلى 3 نيوترونات تقوم هي الأخرى بفلق مزيد من ذرات اليورانيوم؛ لينتج ما يسمى بالتفاعل المتسلسل، ولكي يستمر التفاعل المتسلسل يجب أن نضمن استمرار وجود النيوترونات (بعدم امتصاصها أو تسربها)، ولذلك يتم تجميع الكتلة الحرجة من كتلة اليورانيوم، وهي الكتلة التي عندها كمية النيوترونات تكون كافية لاستمرار التفاعل النووى وإنتاج الطاقة، وبمجرد تجميع الكتلة الحرجة، فإن نيوتروناً واحداً كافٍ لإحداث التفاعل المتسلسل، ولكن إن استمر التفاعل المتسلسل هكذا مع عدم وجود التسرب أو امتصاص النيوترونات، فإن التفاعل النووي سيستمر إلى ما لا نهاية ((في وقت قليل للغاية بسبب استمرار تزايد النيوترونات بصورة جنونية)).. ويحدث الانفجار النووي، وهذه هي النظرية المبسطة للقنبلة النووية!!
والآن بعد هذه الجرعة العلمية المبسطة للغاية إكراماً للقارئ العزيز.. ما شأن إذاً مصر بتلك العملية!!!
تساؤل وجيه جداً ومشروع عن الربط ما بين مصر والفساد والقنبلة النووية، والإجابة عن ذلك تتضح إذا مثلنا مجموع طاقات وموارد مصر باليورانيوم، ومثلنا عناصر نجاحها (وخصوصا العنصر البشري الفعال) بالنيوترونات، وكما أن النيوترونات تكون سبباً فى انطلاق طاقة اليورانيوم، فإن العنصر البشري يكون سبباً في انطلاق طاقة موارد مصر في صورة انفجار حضارة جديدة، بسبب طاقته الإبداعية ونشاطه الخلاق.
مما سبق يتضح أن الفساد هو كل ما يقتل العنصر الفعال (النيوترونات.. أقصد العنصر البشري) أو يجعلها تتسرب إلى الخارج ولا تستفيد منها مصر!!.
يتضح أيضاً أن المثال السابق يمكن تطبيقه على نطاق أصغر في أي مؤسسة أو أي نظام تجمع بشري يمتلك موارد ما، ويمكننا أيضا أن نرى ذلك في أنماط تلك الكيانات بعض نماذج لعناصر الفساد التي تقتل الأفراد المبدعين برغم أنهم أهم سبب لنجاح تلك المؤسسة، كما تعمل البيروقراطية على تسرب عناصر ذلك النجاح إلى مؤسسة اخرى، وبالتالي تفشل تلك المؤسسة ولا تحقق طفرة النجاح المطلوب.
نستفيد كذلك من تلك الفلسفة أنه بتجميع موارد أي نظام بشري (مصر هنا كمثال) وتهيئته (في صورة كتلة حرجة) فإنه يكون حساساً جداً للنجاح في صورة طفرة مع أقل عدد من الأفراد (القادة المبدعون.. النيوترونات) فمثلاً السياحة كأحد موارد النجاح الكبيرة بمصر ما زالت حتى الآن لا تحقق النجاح المأمول!! وذلك بسبب ما ذُكر من عوامل الإهمال حولها وعدم تهيئتها وتهيئة عناصرها من المتاحف أو الطرق ونظافتها وأسلوب التعامل الحضارى وغير ذلك.. وبسبب أوضح لعدم وجود الكفاءات القائدة أو النيوترونات البشرية، إن صح المصطلح الجديد.
في الحقيقة فإن موارد مصر الهائلة إن تمت تهيئتها جيداً (بتنقيتها من الفساد كعوامل امتصاص وهدر للطاقات المبدعية، والبيروقراطية كعامل رئيسي متسبب في هرب تلك العناصر المبدعة) مع العناصر البشرية المبدعة التي تكون بمثابة شرارة انطلاق، فإنه لا ينتج لدى مصر قنبلة نووية تقليدية فقط، وإنما قنبلة هيدروجينية مرعبة في قوتها وتطورها وتأثيرها.. ويوما ما تحقق بالفعل ذلك التفاعل النووي الحضاري في مصر، وقت أن كانت فرعونية مثلما تحقق المفاعل النووي الطبيعي منذ ملايين السنين!!!.
والخلاصة تتضح بأن مصر لديها إمكانيات الانطلاق القصوى إن تم تخليصها من بؤر الفساد المنتشرة في كل مكان، وبتجميع كل الجهود وتمكين المبدعين من مفاصل القيادة ستحدث معجزة التطور بمصر وتنطلق فى هيئة انفجار نووي تنموي.
ملحوظة: قد يكون القارئ انخدع من عنوان المقال وربط ما بين نية مصر لامتلاك القنبلة النووية، ولكن الفساد هو المانع لذلك، وأهمس إلى استنتاج القارئ العزيز، وأقول لربما قد لا يبتعد حدسك بعيداً عن الحقيقة، لأن الفساد كم ضيع على مصر من فرص النجاح والعزة والتقدم!!
أخيراً أود أن أُبشَّر كل من طمح يوماً إلى أن تكون مصر في موضعها اللائق بأنه إن حدث انفجار التطور، هذا فإنك ستشهد تطوراً في كافة المجالات بما فيه إنتاج القدرة النووية ولربما ما هو أعظم من ذلك.. وأرجو أن تكون تلك القدرات حينئذ للردع لا للاعتداء.. وهذا ما آمله من حضارة مصر القادمة التى نحلم بها جميعاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.