مثقفو كُرد سوريا.. والخطأ الذي لا يُغتفر

استعرض مراراً كلماته الفصيحة فوق فروع نهر "الجغجغ" يحادث الجميع بالعربيّة أنّه الكُرديّ، الذي يحدّث بكرديّتهِ الشوارع والمدن والحدائق المسيّجة، بذل جهداً كي يسبق القوم ويفصح عن كرديّته واستكشافه للمشروع الذي عمل على تطميس الكُرد من حكومات وأنظمة ومشاريع واتفاقيّات كبرى.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/09 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/09 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش

وَنَحْنُ أَمامَ حَضْرَةِ مُبْدِعِ كهوف "هايدرا هوداهوس" ذي الشخوص التي تجترح هذا الممكن بين ضباب السهول ويقين المفاجأة، أمام معضلة تاريخيّة وملف شائك حتى رؤوس الأصابع، أمام مادتين نشرهما في "القدس العربيّ" مسبوكتين بنار الخلافات والألم الكُرديّ السّوريّ بشكلٍ خاص، تهافتت الأقلام والآراء الحزبيّة والثقافيّة، يمكن بأوسع المعاني المتداخلة القول: هناك طرفان متناقضان، متعاطفان نسبيّاً، استجابة في مواجهة الدوافع السياسيّة، والثقافيّة، إلى انكفاء سلوكي.

طَرف يرى أنّ "سليم بركات" الذي رفض إجراء مقابلة تعود لـ 1992 مع "صحيفة إسرائيليّة" هو ضرب من ضروب الجنون والخيانة أو الخطأ الذي لا يغتفر، وَذَهَبَ هذا الفريق إلى تجاه قريب إلى الحزبيّة أو المصلحة الكُرديّة – حسب وجهة نظرهم – فرأوا أنّه انبرى في مقام دخوله إلى حلبة الديوك بفكرٍ أيديولوجيّ، بلغةٍ عربيّة فصيحة وقويّة المبنى، لكنّها هشة المعنى – كما جاء على لسان أحد الكتّاب – متّهمينه بأنّه انحدر منذ أن هاجم "حزب العمال الكردستانيّ"، في وقت كان الحزب هو الوحيد المندفع بكل ثِقله لحماية المنطقة من حروب الإبادة التي أثقلت كاهل الكُرد عبر تاريخ تأسيس الدّول، مشكّكين بعمالة قوات "البيمشركة" التي انسحبت بأمر من أنقرة صارخين في وجهه توقف أيّها الكبير؟ توقف عن الانحدار، ضاربين جذور أدبه وموقفه بهذا العمق الاستوائي.

يقف مع هذا الاتجاه فئة أخرى مربكة إلى درجة الجحود، هؤلاء استهوتهم السياسة وسَحَرهم الغرور، فراحوا يشتمونَ الجميع، ظناً منهم أنهم يمثلون حالة ديمقراطيّة عتيدة نبرتهم أقرب إلى الفظاظة، اتّهموه بالمقرف، الذي يرضى أن يكون جزمة، بروحٍ خرقاء راحوا ينفضون رماد سجائرهم في لحظات تبحث بقرف عن نصوصٍ تغتال نفسها وتقبّل الأيادي، ترسل مئات الإشارات في أرواحهم الشريرة التي تركض وترتطم بنفسها، تصفّق أياديهم للنفق المظلم، يقتلون كلّ شيء كي لا تغدو إنساناً سويّاً تستمتع بحياتكَ التي تبحث عن مكامن معيّنة غير متّسخة بالتسوّل السياسيّ.

هؤلاء ذهبوا بسقطاتهم التي تعتبر اعتباطيّة وكلمات لم تسترح في معناها، بتحويلاتها واستراحاتها المبنيّة على مفردات نابية على صفحات التواصل الاجتماعيّ، يختارون صاحب "الجندب الحديدي" مهرّجاً بتصفيق وارف، وخائناً بعداوة، رغبةً في أن يعلّقوا كل إخفاقاتهم السياسيّة وعلاقاتهم التي نمت وتكاثرت في رحمها؛ بالعقليّة نفسها، تاركين مدرسة أدبيّة ومختلف ضروب جماليات العمل الأدبيّ واللغويّ التي يتحلّى بها؛ بنظرة سيمولوجيّة يكتنف أسرار أدبه عن موقفه السياسيّ.

فيما عبّر الفريق الثاني، الذي رفض تسويغ الأديب بهذه اللهجة الركيكة، عن موقف قامة أدبية يرى من نفسه سلطة رابعة بعيدة عن الحزبية، ورأوا موقفه إنسانياً بحتاً يعود إلى عصر النكبة، فكان ردّهم مدافعاً حتّى آخر شعرة، هؤلاء في نظر الفريق الأول محسوبون على التيار "البرزاني" أو أنّهم متعاطفون معهم، فيما كانت نبرتهم عاميّة بعيدة عن التشخيص يُحاولون عدم الخلط بين الأديب والسياسيّ، فيكتب أحد الفنانين التشكيليين الكبار على صفحته: "نحن الكُرد، نتفوق في جلّ ساحات الإبداع، ـ خاصية لا أدرك تفسيراً لها – لكنّنا نسقط في السياسة في أول امتحان، وهنا أدرك التفسير الكافي: "للجهالة طعم الخيبة، ولربطة أعناق سفهاء القوم المنقوشة على عجل، وهي تشبه الأحزمة الناسفة. معاً لفك أربطة أعناق السياسييّن الكُرد الملوثة بالدم الطاهر. معاً لاستخدام ربطة أعناقهم كممسحة لحذاء مقاتل كُرديّ"، معاقباً وأنا بدوري سأعتذر من إسرائيل ولكن بطريقتي وبكرديّة مبحوحة إن كان عبورنا إلى الخلاص النهائي سيمرّ يوماً من أورشليم فليس شكراً لك.

هذا الفريق برأيهم ربّما لو وافق بركات الآن إجراء الحوار مع "الصحيفة الإسرائيليّة" وعبّر عن كرديّته بلغته الفصيحة، لما انتهت الحملة، لما قالوا أنت سليمنا الكُرديّ ابن فتوحات المدن والدول المتساقطة، ابن التصريفات والمعاني التي رقص بها شعراء جيله وروائيو نهضته، ابن مفردات ثقافتكَ، ابن قامشلوكي "الاسم الذي لا يستقيم على نحو لغوي أو تصريف أو إعراب، هذا المتمرّد الذي شربت بحار قبرص وغابات السويد من لبن كلماته الطازجة.

استعرض مراراً كلماته الفصيحة فوق فروع نهر "الجغجغ" يحادث الجميع بالعربيّة أنّه الكُرديّ، الذي يحدّث بكرديّتهِ الشوارع والمدن والحدائق المسيّجة، بذل جهداً كي يسبق القوم ويفصح عن كرديّته واستكشافه للمشروع الذي عمل على تطميس الكُرد من حكومات وأنظمة ومشاريع واتفاقيّات كبرى.

فيما كان موقف المثقف العربيّ، كفئة كبيرة من المثقفين الكُرد، صامتاً بالأغلبيّة، عدا حالات فرديّة معاتبة هذه الحملة – في بعض التعليقات الخجولة على هذه المنشورات – التي ذهبت في الاتجاه الخطأ، معاتبين هذا العراك الذي لا طائل منه، ناصحين أن يقيموا لمخطوطاته وأعماله متاحف بدلاً من أن ينهشوا إبداعه وشخصه كحالة لا تتكرّر سوى كل ربع قرن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد