عن ما سبق 2013 – في شرح النزوع السلطوي للنخب العلمانية في مصر

لذلك ليس بمستغرب على الإطلاق أن تقف النخب العلمانية منذ القرن التاسع عشر وإلى يومنا هذا متبنية لمقولة الدولة الوطنية المسيطرة على المجتمع والمهيمنة على الفضاء العام والفارضة للرأي الواحد وللصوت الواحد على الناس، دون أن يربط العلمانيون بين مفهوم قوة الدولة ومفاهيم العدل والحق والحرية والمساواة وباستبعاد كارثي للميراث المتراكم للدولة القمعية ولحكمها السلطوي

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/01 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/01 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

لم تكن الدوافع الوحيدة لتحالف النخب العلمانية (ليبرالية ويسارية) مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للخروج على الإجراءات الديمقراطية في صيف 2013 هي فشل إدارة الرئيس السابق محمد مرسي في إخراج البلاد من أزماتها وعصفها بسيادة القانون والإطار الدستوري القائم (الإعلان الدستوري الاستثنائي في نوفمبر ٢٠١٢ )، أو ما طرح آنذاك كفعل ضرورة لحماية مصر من خطر استبداد ديني محقق والحفاظ على هويتها الوطنية. فالموقف المضاد للديمقراطية الذي تبنته النخب العلمانية في ذلك الصيف، ثم تأييد أغلبية عناصرها لعودة السلطوية وصمتها على انتهاكات مفجعة لحقوق الإنسان، مثل ومازال ترجمة مباشرة لميراث تاريخي طويل حدد منذ القرن التاسع عشر جوهر العلاقة بينها وبين نظم الحكم المتعاقبة كما بينها وبين فعاليات المجتمع وعموم المواطنات والمواطنين.

فقد كان تشكل النخب العلمانية في أعقاب نشوء الدولة الوطنية الحديثة (دولة محمد علي الذي حكم البلاد بين (1801 و 1840) وثيق الصلة بالتحالف مع نظام الحكم والسلطة القائمة، وتبلورت (باستثناء فترات عابرة) مقولاتها الكبرى وأنماط ممارستها لدورها السياسي والمجتمعي في سياق الدفاع الدائم عن الحكم ودعم السياسات الرسمية وتبرير إخفاقاتها ونتائجها السلبية.

لم ترى النخب العلمانية في الدولة الوطنية سوى قوة التنوير والتحديث والتقدم القادرة على تجاوز الجهل والفقر والتخلف وتجاهلت حقائق القهر والقمع وإهدار الحريات واحتكار الثروة التي وصمتها منذ نشأتها، ولم تصنف حكامها إلا كحماة للفكرة العلمانية ولفصل الدين عن الدولة حتى حين وظفت الرموز والمقولات الدينية لإضفاء شرعية قبول شعبي زائفة على الحكام، ولم تمتعض لا من اختزال المؤسسات والأجهزة الفاعلة للدولة إلى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ولا من إلغاء حكم ما بعد 1952 للتعددية السياسية والحزبية التي تواصلت لبضعة عقود بعد ثورة 1919 ومن اختلال العلاقات العسكرية-المدنية على نحو أسس لسلطوية صريحة، ولم تقاوم امتداد سطوة المكون العسكري-الأمني إلى مجمل الفضاء العام والانتهاك الممنهج للحريات الفكرية والأكاديمية ولحرية الإبداع – وهي تأتي تقليديا في صدارة ما تهتم به النخب العلمانية.

في مقابل ارتباطها العضوي بنظام الحكم واستقوائها بالسلطة القائمة، استحضرت النخب العلمانية دوما خوفا وتوجسا مزمنين من المجتمع وعموم الناس. منذ تبلورت المقولات الكبرى للعلمانيين المصريين، والمجتمع يصنف ككيان لا عقلاني ومساحة شاسعة تعمل بها "الظلامية الدينية" و"الأنساق الرجعية" مفاعيلها الهدامة. وبالتبعية، باتت المهمة الرئيسية للدولة وحكامها هي إخراج المجتمع من حالته الرثة وتجاوز لاعقلانيته وظلاميته بمساعدة العلمانيين وعبر نظم التعليم والتنشئة الحديثة.

إلى يومنا هذا، لم يتغلب العلمانيون على خوفهم من المجتمع على الرغم من عقلانية وتقدمية المجتمع وفعالياته مقارنة بالدولة وحكامها في محطات مفصيلة كثيرة في تاريخ مصر الحديث من الحركة العرابية التي قاومت الاحتلال البريطاني وثورة 1919 التي حظت بتأييد شعبي كاسح والتماسك المجتمعي في أعقاب هزيمة 1967 وثورة يناير 2011 التي أرادت التخلص من السلطوية واستعادة مضامين العدل والحق والحرية والمساواة. إلى يومنا هذا، لم يزل خوف العلمانيين من المجتمع هو المفسر الأساسي لترويجهم لمقولات غير ديمقراطية بين 2011 2013 – من المطالبة بالتمييز بين الوزن النسبي لأصوات المتعلمين وغير المتعلمين في الاستفتاءات والاستحقاقات الانتخابية إلى تمرير وثائق مبادئ فوق دستورية لإقرار وضعية الدولة فوق الدولة للمؤسسة العسكرية وتمكينها من التدخل المستمر في شؤون الحكم والسلطة.

إلى يومنا هذا، لم يزل خوف العلمانيين من عموم الناس هو محرك قوي لإطلاقهم الأحكام الاستعلائية على تفضيلات الأغلبية السياسية والانتخابية (أساطير الحصول على الأصوات الانتخابية بالسكر والزيت) ولاستعدادهم التحالف مع الاستبداد والسلطوية والانقلاب على الديمقراطية نظير إسكات المواطن وتهجيره من الفضاء العام، نظير إخضاع واستتباع المجتمع اللاعقلاني.

لذلك ليس بمستغرب على الإطلاق أن تقف النخب العلمانية منذ القرن التاسع عشر وإلى يومنا هذا متبنية لمقولة الدولة الوطنية المسيطرة على المجتمع والمهيمنة على الفضاء العام والفارضة للرأي الواحد وللصوت الواحد على الناس، دون أن يربط العلمانيون بين مفهوم قوة الدولة ومفاهيم العدل والحق والحرية والمساواة وباستبعاد كارثي للميراث المتراكم للدولة القمعية ولحكمها السلطوي إن لجهة التحديث والتقدم المجتمعين أو لجهة الحفاظ على فاعلية مؤسسات الدولة نفسها.

لذلك أيضا ليس بمستغرب البتة أن تروج النخب العلمانية لمفاهيم ذات جوهر استبدادي صريح كمفاهيم الضرورة الوطنية التي تلزم بالاصطفاف خلف الحكام، وحالة الاستثناء التي تمنح الحكام رخصة شاملة للعصف بسيادة القانون وبإخضاع المجتمع والمواطن، وأولوية الدفاع عن الأمن والاستقرار وإنجاز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على حديث الديمقراطية على الرغم من الوهم الكامل الذي يمثله انتظار نشوء حالة أمن واستقرار وتقدم اقتص

ادي واجتماعي في ظل السلطوية وعلى الرغم من العبث الأخلاقي والإنساني والسياسي التام الذي يعبر عنه دفاع علمانيين عن إهدار كرامة الإنسان وإلغاء حقوقه وحرياته الشخصية والمدنية والسياسية – فالفكرة العلمانية رامت بالأساس تحرير الإنسان والانتصار له في مواجهة قمع وتغول السلطات الدينية والدنيوية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد