لم تكن حاجةُ الشعب المصري قبل ثورة يناير/كانون الثاني إلى ائتلافه وتلاحمه أشدَّ منها بعد اندلاعها وإحرازه فيها نجاحاً بدا في ناظريه عظيماً، قبل أن يكتشف مع مرور الوقت كم كان فيه واهماً مخدوعاً!
فبرغم سيطرة قوى الفساد والاستبداد على مفاصل الدولة وإحكام قبضتها عليها لعقود من الزمان، مستغلة ضعف الرؤية الاستراتيجية لدى قوى المعارضة على صعيد التغيير في إبقاء شرعيتها والتمكين لوجودها، فإن الشعب باغت رأس النظام بثورة فقد معها توازنه، ولم يجد بُداً من إعلان الرحيل.
برغم ذلك فإن قوى الفساد والاستبداد لم تستسلم لما أصابها، فعملت منذ اللحظة الأولى للثورة على التخلص منها، فسلمت زمامها بدهاء إلى قيادة استترت خلف جيشٍ حاز رصيداً من التأييد والتعاطف التاريخي لدى المصريين مكنَّها من استمرار دهائها ومكرها!
فدخل الشعب الثائر مع تلك القيادة الجديدة في منعطفات وملتويات، كان أهمها النيل من مصدر قوته، ومظهر عزته، فتحول جمعُه أشتاتاً، ووحدُته أوزاعاً.
الأمر الذي ارتقى بالائتلاف حينها من مرتبة الحاجة إلى مرتبة الضرورة، وبات واجباً على الشعب أن ينتبه للخديعة التي أحاطت به، وأن يلتفت إلى صوت النذير مع كل حادثة تنبئ بالخطر، فيعتصم بعد الله بذاته، لكنه كلما حاول أن يقتنص الفرص في تحقيق الائتلاف بين طلائعه وفصائله ورواده، كان إصرار الثورة المضادة ودهاؤها وطول صبرها أعظم من أن تصمد أمامها محاولاته الوامضة برغم ما اقتنص فيها من مكتسبات.
حتى كانت اللحظة المناسبة للثورة المضادة التي دخلت فيها مع الشعب الثائر في مواجهةٍ سافرةٍ أعدت له فيها عدتها وعتادها، وجلبت عليه بخيلها ورجلها، ونالت من قيمه ومقدساته، واستباحت دماءه وأعراضه، بعد أن نكلت بإرادته وخياراته بانقلابٍ قد أحكمت خطته وأداته.
ومن هنا تبلغ ضرورة الائتلاف والوحدة في حق الشعب منتهاها لمواجهة الثورة المضادة وانقلابها الأحمر، ولقهر زحفها المتغول إلى حيث ينبغي أن يكون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.