عن الانتظار والحسرة

هناك ثلاثة و عشرون مليون سوري - و العدد في تناقص لحظي - ينتظرون انتهاء حرب طالت و لا حلول في الافق

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/17 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/17 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش

هناك فارق كبير بين الانتظار الذي كنا نعرفه قبل خمس سنوات والانتظار الحالي الذي كشر عن أنيابه وقرر امتصاص كل طاقة فينا على التحمل.

في الوطن السوري، هناك من ينتظر عودة مفقود ليكتشف بعد سنوات انتظاره أن المفقود أصبح مفقوداً بأوراق ثبوتية، وهناك محاصر ينتظر وصول رغيف خبر ليسكت جوعاً، علا صوته وطغى على أصوات القذائف المتساقطة، أُم تنتظر معتقلاً أو مغيباً أو مقاتلاً، وتعيش تفاصيل لا طاقة للجبال على تحملها، هناك من ينتظر أن يرحمنا من حولنا ويفتحو لنا حدوداً "كانت مرتعاً" للعابثين قبل حين.

أصبح السوري ينتظر نتائج الانتخابات لدول تقول إنها صديقة، ويتمنى عدم نجاح اليمين المتطرف لدول لا يعرف موقعها على الخارطة، هناك لاجئ ينتظر المهرب، والمهرب ينتظر البحر، والبحر ينتظرهم جميعا؛ ليبتلعهم عله ينهي رحلة البؤس التي يبدو أنها قررت عيش تفاصيل حياتنا اليومية.

هناك مقاتل ينتظر "هاون"؛ ليمطر حارته القديمة بوابل من الحمم، يدمر بيته، ويقتل أشجار حديقته، وهناك مقاتل ينتظر فتوى من أحمق يرتدي لحية مزيفة؛ ليفجر نفسه ومن حوله وينال سبعين حورية بالمجان، من ينتظر وصول مقاتلين عصبوا رؤوسهم وعقولهم بفتنة عمرها أكثر من ألف عام، طفل يريد أن يلعب، ينتظر مرور طائرات لدول تدعي أن قذائفها أذكى من عقولنا وكاميرات هواتفنا.

ينتظر السوري في المخيم مرور الشتاء الذي لا بد في كل عام أن يكون الأقسى في تاريخ المنطقة، وكأن الطقس قرر أن يشارك في سيرك بؤسنا العالمي، وينتظر أيضاً مرور الصيف الذي سوف يملأه وعائلته وخيمته غباراً، نظراً لأن الإخوة الأعداء قرروا أن يوطنونا في صحاريهم الخاوية، في كل عام ينتظر المعارضون رمضان ليقولوا "ما بيرمضن" ومن بعده العيد ليقولوا "ما بيعيد"، ولكنه رمضن وعيد وعاش الجميع في حسرة، وينتظر المؤيدون أن يسيطر الجيش والموالون له على منزل في حارة في حي في مدينة سورية، ليحتفلوا ويقولوا "خلصت"، ولكنهم ما يلبثون أن يخسروه من جديد ويعيشوا في حسرة أكبر، وفي كل عام أيضاً، ينتظر الجيران مؤتمراً؛ ليضعوا صور أطفالنا الجياع، ويأخذوا أموالاً، تنتهي في ثقوب سوداء. مغتربون حزموا حقائبهم واشتروا تذاكرهم لكنهم ما لبثوا أن عادوا إلى الواقع وبكوا على أطلال الوطن الذي بدا أبعد من الشمس.

هناك ثلاثة وعشرون مليون سوري -والعدد في تناقص لحظي- ينتظرون انتهاء حرب طالت ولا حلول في الأفق.

وأنا شخصياً أنتظر أن تنتهي الحرب؛ ليعود أبي إلى منزله قبل أن أراه يتحسر على العودة التي أصبحت حلماً بعيد المنال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد