تشوقت لقراءة كتاب " بين الشرق والغرب عالم آخر" للكاتبة سمر جراح منذ أن وقعت عيناي على صورة له في الشبكة العنكبوتية، أو بالأحرى عندما قرأت على غلافه عبارة "مشاهدات امرأة عربية أميركية" التي ما زلت أعدها أروع ما خط فيه..
وعلى غير العادة لم أحب أن أقرأ أي وصف للكتاب بعدما قرأت العبارة آنفة الذكر، ذلك لأننا بحاجة إلى مشاهدات حية ومجردة، لا إسهاب في التحليل والاستنتاجات والفرضيات التي ربما تكون إلى نفسية الكاتب وثقافته الشخصية أقرب مما هي للواقع، ومن الجميل أن هذه المشاهدات بعين امرأة، فالمرأة أكثر براعة في الوصف من الرجل، وعربية أميركية عاشت بين العالمين والثقافتين واستطاعت على الرغم من الفرق الشاسع بين القالب الاجتماعي للمرأة الشرقية ونظيرتها الغربية أن تصل إلى النجاح وتحقيق الذات، فحري بنا أن نقرأ عن هذه التجربة الرائعة، وقد حصلت على الكتاب بعد جولة مكوكية من البحث، وقد تستغربون أن كتاباً قد دار دورة كاملة في قطاع غزة ينتقل من زقاق إلى زقاق ومن يد ليد، فالشباب في غزة مثقفون بالفطرة!
نقلت الكاتبة لنا من خلال كتابها نبض الشارع الأميركي، وكيف يتعاطى مع الكثير من القضايا المحلية والعالمية والسياسة التي تُدير حياة المواطن الأميركي اليومية وبأي طريقة يوجَّه سلوكه وطريقة تفكيره، وأثبتت من خلال تجربتها الفريدة في رسالة الاحتجاج التي قدمتها إلى الصحيفة المحلية كيف يمكن أن تقنع الأميركان لتغيِّر سلوكهم ومواقفهم إن كُنتَ صَاحب حُجة وامتَلكتَ الشجاعة اللازمة.
وقد تأكد لي أننا لا نعرف عن المواطن الأميركي إلا قشور المعرفة، وأعتقد أنه -أي المواطن الأميركي- لا يعرف عنا أكثر مما نعرف عنه، وتستنهض الكاتبة هِمَّتنا في أن نواجه ونجابه الدعاية الصهيونية وأن نخاطب الغرب، وخصوصاً مفاصل التأثير وصناع القرار، بخطاب عقلاني علمي متزن لندحض ونكشف كذب الدعاية الصهيونية، ونجلب المناصرة والتأييد لقضيتنا وحقوقنا.
وتوضح الكاتبة أننا نحن العرب والمسلمين على حد سواء ساهمنا من خلال ارتكابنا الكثير من الأخطاء من نقل صورة سيئة عن الإسلام والعرب، وتمادينا أكثر لتصبح الصورة أعمق في عقل المواطن الأميركي وصنعنا من أنفسنا متهمين تُوجه لهم أصابع الاتهام في كل حدث حتى لو كان بسيطاً، ولو أننا بذلنا جهداً في سبيل تغيير الصورة الأميركية النمطية عن قضايانا العربية، خاصة قضية فلسطين، لوجدنا على المستوى الشعبي الكثير ممن يدافع عنا ويدعم قضيتنا، ولتغيَّرت طريقة تعاطي المستوى الرسمي معنا.
وقد تحدثت الكاتبة في مشاهداتها عن الإعلام البديل، وأيضاً الكتاب المسموع، وهي أفكار بحاجة إلى تطبيق في مجتمعاتنا العربية، ويمكن من خلالها إيجاد التوازن المطلوب مجتمعياً؛ حيث إننا لا نستطيع تغيير الإعلام التقليدي الرسمي، فيما يسهم الكتاب المسموع في رفع ثقافة المواطن العربي والنهوض الفكري به.
ويتضح للقارئ أن لدى المواطن الأميركي الكثير من الأسباب لِلَعن الحياة والتذمر كارتفاع الأسعار، وخصوصاً ثمن الأدوية، والاضطرار للعمل في وظيفة مسائية، والحشرات والزواحف التي تقتحم عليه بيته، والكثير من الأسباب الأخرى، لكنهم مع ذلك يستمتعون بالحياة ما استطاعوا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.