الحياديون.. عدو سوريا الأسوأ

الخطة مرسومة على الورق، لبناء دولة أو دول من ورق، ومكان الحياديين فيها محجوز في المقدمة، فالكل يبحث عمن "لم تتلطخ يداه بالدماء"، وهذه الميزة بالذات هي التي يستقوي بها السادة الحياديون، علماً أنهم الأكثر تورطاً من حيث إنهم كانوا الشيطان الأخرس الساكت عن الحق

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/17 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/17 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش

"الحياديون"، "الرماديون"، "المنافقون"، "شرَّاب القهوتين".. صفات يمكن إطلاقها على هؤلاء الذين غاموا واختاروا لأنفسهم صفات الماء، إلا نقاءه، فهم لا لون ولا طعم ولا رائحة، وكذلك لا يمكن القبض عليهم؛ إذ إنهم يتسربون من بين الأصابع!

قسم غير قليل من السوريين، على اختلاف شرائحهم، اختار أن يكون في اللامكان، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بعضهم كان مدفوعاً بالخوف، والبعض الآخر باعتزال "الفتنة"، وأكثرهم بالأنانية والتجرد الكامل من الأخلاق والفضيلة والإنسانية، أما أخطرهم، فأولئك الذين اعتزلوا عن خبث وحسابات سياسية يُخشى أنْ آنَ أوانها.

بطبيعة الحال، وواقع البلاد، فقد دفعوا ضريبة الحرب، وإن كان أقل من غيرهم، فهم أهداف للطائش من القذائف والصواريخ، وكذلك لعمليات النظام ومفخخاته التي يريد فبركتها وتوظيفها لإلصاقها بالثوار أو لتكريس "الإرهاب"، إلا أنهم لم يكونوا هدفاً مباشراً للثوار، إلا نادراً، ولا أدلّ على ذلك من وجود آلاف الحياديين بل والمؤيدين في بلدات ومدن محررة منذ أعوام، لم يتخذ بحقهم أحد إجراءات قانونية أو عقابية، إلا في حالات فردية نادرة.

أما أحوالهم، فالعاديون منهم، يعيش سوادهم الأعظم في مناطق سيطرة النظام، حياة بائسة، ولكن ليست بقسوة سكان المناطق المحررة الذين يدفعون ثمن الموقف.

يحرص هؤلاء على تعليم أبنائهم؛ حيث لم تتوقف أو تتعثر العملية التعليمية كما في معظم المناطق المحررة، وغداً، سيكون منهم المدير والمحافظ وكبار الموظفين، بينما سيكون أبناء الشهداء، والمعاقون، والمعتقلون، والذين اضطروا لترك تعليمهم لإعانة ذويهم، موظفين صغاراً أو مستخدمين أو خارج دوائر صنع القرار.

على الأقل، ستكون النسبة الأكبر منهم؛ إذ إنهم الأكفأ تعليمياً، والقوانين والتشريعات ستكون في صفهم، فثلاثة ملايين من أبناء الثورة إما حرموا التعليم أو أنهم يتلقون تعليماً غير مناسب.

وآن لأبناء الثورة أن يعلموا أنَّ التعليم هو ضمانتهم الوحيدة للمشاركة في صنع مستقبل بلدهم.

أما الحياديون السياسيون، والمشتغلون بالشأن العام منهم، فهؤلاء هم الفئة الأخطر والأسوأ من نظام الأسد، فالأسد كشخص، راحلٌ لا محالة، في ظل أي تسوية سياسية، فبقاؤه غير ممكن أدبياً على أقل تقدير، أما نظامه، ومعارضة نظامه "المصنوعة على عينه"، فسيتحاصصون الكعكة وفق قوة الداعم الدولي لكل طرف، مع بقاء جزء مهم من الكعكة للحياديين.

"طبخة" أميركا وروسيا، التي يشرف عليها صورياً الشيف دي مستورا، ماضية في طريقها بغض النظر عما يحصل على جغرافيا الموت السورية، الخطة مرسومة على الورق، لبناء دولة أو دول من ورق، ومكان الحياديين فيها محجوز في المقدمة، فالكل يبحث عمن "لم تتلطخ يداه بالدماء"، وهذه الميزة بالذات هي التي يستقوي بها السادة الحياديون، علماً أنهم الأكثر تورطاً من حيث إنهم كانوا الشيطان الأخرس الساكت عن الحق، وساووا بين يد القاتل التي حملت سكين الذبح وبين رقاب الأطفال المذبوحة في مجزرة الحولة وأخواتها.

أولئك "السوريون"، الذين يتحدثون عن حرب بين طرفين، ينتمون للطرف القاتل بلا أدنى شك، وينسقون معه المواقف لسرقة مستقبل تضحيات الشهداء والفقراء والطامحين للحرية؛ ليعيدوا إنتاج القمع والتسلط والديكتاتورية بشكل يبدو ناعماً ومناسباً لتطلعات المجتمع الدولي.

وبالفعل، فإن روسيا، ومصر السيسي، ودي ميستورا، قد تبنوا شخصيات من هذا النوع، وفرضوها في معارضاتهم التي ستكون شريكة في سلسلة مفاوضات جنيف، كما أن فريق "نساء دي ميستورا" يعطي صورة جلية ومخيفة يجب أخذها على محمل الجد، إذا أردنا أن نتوقع أو نعمل لمستقبل أفضل، أو أقل سوءاً لسوريا التي قدمت تضحيات تفوق كل الخيالات والاحتمالات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد