يوسف إسلام يحمل الجيتار

حمل يوسف الغيتار وصدح بألحانه بعد حرب البوسنة، وغنى للأطفال والمشردين، واليوم يعزف ترانيمه وسط لندن تضامنا مع اللاجئين السوريين، عرف إنه فرط في شهرته وأغانيه التي من خلالها كان قد خدم الإسلام والإنسانية، ولكنه اعتزل وابتعد فانطفأ وتشرنق وخبت شعلته.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/09 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/09 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش

في مدرسة صيفية في ضواحي لندن، وضعت أمامنا المدرسة العجوز ألبوم لأشهر أغاني "كات ستيفنز"، وطلبت أن نسمعها ونقرأ القصائد كي نحسن من لغتنا الإنجليزية، كانت صورته تغطي غلاف الألبوم، وجه هادئ وسط شعر طويل ولحية كثة، كانت ملامحه حزينة ونظراته عميقة، وجه راهب أو عابد متأمل.

بعد أسبوع كنت أمشي قريباً من جامع لندن في ريجنت بارك ورأيت محلاً يبيع الكتب والتسجيلات الإسلامية، فوجدت شريط كاسيت مع كتيب، كان يحتوي أناشيد ليوسف إسلام، اشتريته وسمعته، أصابتني الخيبة، سمعت صوتاً مهترئاً سجل في ستوديو متواضع، لا أعرف لماذا أهديته للمدرسة التي أصابتها الخيبة مثلي، كانت في شبابها تعشق أغاني "كات ستيفنز" فترة الستينيات والسبعينيات، ليست حزينة لإسلامه بل حزينة لتركه الغناء هي وملايين غيرها، قالت وهي عابسة: حتى صوته تبدل.

قديما كنت أظن "كات ستيفنز" فجأة حطم غيتاره وهجر الغناء والحفلات والخمر والمخدرات وأعلن توبته وصار مسلماً، ما زلت أذكر قصة سمعتها في شريط كاسيت لأحد الوعاظ يقول إن شاباً صالحاً زار صديقه المفتون بأغاني الروك والبوب فوجده يعزف غيتاراً وقد امتلأت غرفته بصور "كات ستيفنز"، فقال له: هل تعلم إن مطربك المفضل هذا أسلم وصار اسمه يوسف وترك المعازف والمنكرات، فصعق صديقه لهذا الخبر وحطم غيتاره وأعلن توبته.

كانت هذه الفكرة السطحية المنتشرة حول "كات ستيفنز"، لكن..

الحقيقة أن الرجل مر بفترة روحانية بعد إصابته بمرض السل وتدهورصحته من فرط التدخين والشرب والسهر الليلي المتواصل، بدأت تساؤلات الوجود والعدم تدور في رأسه والتفكر بالحياة والموت، أطلق لحيته وبدأ يقرأ في الفلسفات الشرقية وتعاليم البوذية والطاوية، واصطبغت أغانيه بتأملات عميقة ونفحات روحية، ومن أشهرها أغنية (الأب والابن) وصارت الألبومات تباع بالملايين خاصة في الولايات المتحدة، وراجت تلك الأغاني في السبعينيات مع انتشار الفلسفات الشرقية وثقافة الزهد والرهبنة وتقديس الإنسان ورفض الحروب والسياسات القمعية ومظاهر الحياة الاستهلاكية. وصعد نجم "كات ستيفنز" حول العالم وصار اسماً لامعاً محاطاً بالأضواء والمعجبين، لكن القلق الوجودي رافقه واستمر يبحث عن الحقيقة النهائية. حتى جاء يوم وأهداه أخوه مصحفاً فقرأه وأعجب به وعكف عاماً كاملاً يقرأ حول الإسلام. واتجه إلى حديقة ريجنت بارك حيث الجامع الكبير وأعلن إسلامه.

لماذا ترك يوسف الغناء؟

كان يرى أن كثيراً من الأمور المتعلقة بصناعة الموسيقى كانت تتعارض مع نمط الحياة الإسلامية رغم أنه كان بعيداً عن سلوكيات مطربي الروك وعاداتهم السيئة، لكن أجواء عالم الموسيقى تشوهت بالمخدرات والسكر والجشع والتآمر والأنانية، إضافة إلى الجولات الغنائية والحفلات الصاخبة التي يستحيل التوفيق بينها وبين طريق الحكمة والإيمان والتفقه خاصة لمسلم جديد.

كانت صدمة لمحبيه وأصدقائه وصدمة لرفقاء المهنة من موسيقيين ومنتجين، من الصعب أن يفهم الناس أن مطرباً شهيراً موهوباً يترك الموسيقى، أو يحرمها، هل كان يوسف عنيفاً في قراره؟ هل الموسيقى محصورة في تلك العوالم المنبوذة؟ ألم يستطع التوفيق بين الطريقين؟ إنها هجرة نهائية، هجرة استمرت زمناً طويلاً.. متمثلاً كلمات أغنيته القديمة.

سبب يؤدي للخروج من حافة الظلام

وهناك نركب قطار السلام

آه يا قطار السلام خذ هذا الوطن

تعال وخذني للوطن من جديد

حين تقرأ كتابه "لماذا ما زلت أحمل غيتاراً" تحس بندمه على هجر الموسيقى، واعترافه باتباع أقوال متشددة، لقد فهم متأخراً أن الموسيقى جزء من الكون، تغريد الطيور وهدير الأمواج وهبوب الرياح، الطبيعة تغني بألحان سرمدية وكل مافيها يسبح للخالق.

وعلم متأخراً قيمة الموسيقى في خدمة قضايا البشرية وضحايا الحروب والكوارث، قيمة الموسيقى في نشر الحب والتسامح، والناس تجتمع على حب الموسيقى، إن أثر الفنان أكبر من خطابات الزعماء ونقاشات السياسيين.

حمل يوسف الغيتار وصدح بألحانه بعد حرب البوسنة، وغنى للأطفال والمشردين، واليوم يعزف ترانيمه وسط لندن تضامنا مع اللاجئين السوريين، عرف إنه فرط في شهرته وأغانيه التي من خلالها كان قد خدم الإسلام والإنسانية، ولكنه اعتزل وابتعد فانطفأ وتشرنق وخبت شعلته.

ولك أن تقارن بينه وبين محمد علي كلاي الذي استمر في لعبته ونصع بريقه، واستخدم شهرته في خدمة الإسلام وقدم نموذجاً مشرقاً للإنسان المسلم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد