فصل الدعوي والسياسي.. انتكاسة أم حنكة وسياسة؟

بالختام هذه الخطوة تحتاج لدراسة مستفيضة، كما أن تطبيقها على الواقع ونتائجها يمكن أن يعطي دروساً لحركات إسلامية أخرى، والتجربة هذه ممكن أن تكون ملهمة أو بالعكس تماماً، منفّرة،

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/01 الساعة 02:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/01 الساعة 02:02 بتوقيت غرينتش

أقرت حركة النهضة التونسية، في مؤتمرها الأخير، فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي، فيكون حزب النهضة المهتم بالشأن السياسي، وبالمقابل يترك العمل الدعوي لمؤسسات المجتمع المدني، فيما تعتبر خطوة جريئة (أو مخاطرة) من قِبل الحركة في سياق تعاملها مع التحولات السياسية في العالم العربي.

هذه الخطوة لها سلبياتها وإيجابياتها، وإن كانت الحركة الإسلامية المعاصرة، خصوصاً في العالم العربي، قد حاولت جمع العمل الدعوي والسياسي تحت مظلة واحدة، فيما حرصت بعض الحركات على التمايز بينها، كما هو الشأن في المغرب، وليس الفصل الكامل، بنظرة تلخيصية لأهم السلبيات والإيجابيات والمخاطر التي ترافق خطوة كذلك، والتي يمكن أن تنسحب على حركات أخرى يمكن إجمال التالي:

1. تسييس الدين أم تديين السياسة: يبدو أن خطوة النهضة يمكن أن يرافقها خلط كبير في دور الدين في العمل السياسي، وهل فصل العمل الدعوي يعني بالضرورة سحب الدين من العمل السياسي، وبرأيي هذا الأمر يتعلق بالحزب القائم، وهل أجندته وخلفيته الدينية ستكون حاضرة في النقاش السياسي والحكومي أم لا، ومدى رصانة وقوة الأجندة الدينية والاجتماعية التي يحملها، وتوافقها مع الديمقراطية الموجودة في دولة كتونس مثلاً (مع الأخذ في الاعتبار أن فهم الضوابط الدينية يمكن أن يكون مختلفاً، كما أن فهم الديمقراطية وضوابطها يمكن أن يكون مختلفاً)، وبالتالي لا يمكن القطع بأن فصل العمل الدعوي هو بالفعل فصل الديني عن السياسي، في ظل شمولية الإسلام التي لا يمكن إنكارها.

2. خير للدعوة أم إضعاف للمشاركة في الحيز العام: يبدو أن تركيز العمل الدعوي خارج الإطار الحزبي السياسي يمكن أن يجعل العمل الدعوي ذا استجابة أكبر بين العوام؛ لطبيعة نفور الناس من السياسة، وبالتالي يمكن أن يلقى العمل الدعوي خارج الإطار الحزبي قبولاً أكثر بين الناس؛ لكونهم لا يشعرون أن استماعهم لمؤسسات المجتمع المدني الدعوية والشيوخ نوع من الاصطفاف السياسي، مما يمكن أن يزيد من منسوب تديّن المجتمع، لكن بالمقابل يمكن أن يكون لذلك تأثير عكسي بجعل المتدينين هؤلاء يتوانون عن المشاركة السياسية، وادعائهم أننا فقط نريد الالتزام بالدين والتدين المبني على الانشغال بالعبادات والروحانيات وترك الحيز العام، وهنا يكمن تحدي الدعاة في هذه المرحلة من الفصل بين العمل الدعوي والسياسي في توضيح شمولية الإسلام، وضرورة مشاركة المسلم المتدين في الشأن العام، واهتمامه بالسياسة وأحوال الناس، مما يمكن أن يكون رافعة للحزب السياسي الإسلامي، أو إذا لم يتم الأمر بشكل سليم وتولد الشعور بأن خطاب هذه المؤسسات هو توجيه لحزب سياسي، فهذا يعيدنا للمربع الأول القائل بأن الفصل غير ممكن، وأن هذا الأمر تكتيكي.

3. الخطاب السياسي للحزب:
بفصل الدعوي عن السياسي يمكن أن تتولد خطورة التمايز بين الأحزاب السياسية، وإن كانت الخلفية الهوياتية من الصعب التغاضي عنها، ولكن الغوص في العمل السياسي المفصول دعوياً ممكن (وليس بالضرورة) أن يضعف مدى تماسك الخلفية الدينية للحزب، ناهيك عن أن البراغماتية السياسية يمكن أن تكون أوسع بشكل يمكن أن يتجاوز بعض الضوابط، وهذا يمكن أن يقلل من القاعدة الشعبية المتدينة للحزب.

4. عدم جعل الدين منافساً سياسياً: يمكن أن تكون خطوة "النهضة" تهدف لجعل الدين أعلى من التنافس السياسي، ويكون تديين المجتمع من خلال مؤسسات المجتمع طريقاً لذلك، وإذا كان الأمر ناجحاً بشكل كبير، ونجحت هذه المؤسسات في تديين قوي للمجتمع ممكن أن يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى اختيار وانتخاب أحزاب سياسية تضع احترام ضوابط الدين نصب أعينها، ويصبح التنافس الحزبي الانتخابي حول قضايا عامة وشؤون تحسين حياة ومعيشة المجتمع، ويكون الكل متفقاً ومنضبطاً تحت ضوابط الدين، وهذا الأمر بالقطع ليس بالسهل.

5. التنافس هوياتي أم خدماتي؟: النقاش حول نوعية التنافس الانتخابي والأجندة الحاضرة فيها دائماً ما يكون حاضراً في النقاشات الانتخابية في كل بلد.. ويكون البعد الأيديولوجي حاضراً، كما لا يعزل البرنامج الخدماتي الذي يحمله الحزب، وأظن أن الفصل بين الدعوي والسياسي، وخصوصاً في المنظور القريب (خصوصاً إذا لم تتم النقطة السابقة بنجاح)، لن يكون بعيداً عن هذين المحورين، فسيظل الحزب ذو الخلفية الإسلامية والأحزاب العلمانية ترتكز على قاعدة جماهيرية هوياتية مبنية على البعد الأيديولوجي بينها، ناهيك عن البعد الخدماتي والبرنامج الذي تحمله.

بالختام هذه الخطوة تحتاج لدراسة مستفيضة، كما أن تطبيقها على الواقع ونتائجها يمكن أن يعطي دروساً لحركات إسلامية أخرى، والتجربة هذه ممكن أن تكون ملهمة أو بالعكس تماماً، منفّرة، من خطوة كذلك.. السياقات لها أهميتها، والواقع يفرض نفسه، ولكن هذا الحدث يؤكد حقيقتين أن الحركة الإسلامية ليس جامدة، بل هي متطورة ومتغيرة كما هو حال المجتمع ككل (وهذا التغيير يمكن أن يكون فيه سلبيات وإيجابيات)، والأمر الآخر أنه على الحركة الإسلامية المعاصرة التأكد من أنها في دخول الغمار السياسي يمكن أن تربح أو تخسر، ويمكن أن تتبدل أحوال الجماهير حولها تبعاً للواقع والمتغيرات، وليس بالضرورة نفوراً من الدين، ويبقى عليها أن توازن بين متطلباتها الأيديولوجية والدعوية، وتقريب الناس من الدين، وكذلك المتطلبات السياسية وخدمة المجتمع والنهوض به.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد