فيما يلي تعليقي على كلام الشيخ عبد الفتاح مورو مع معتز مطر. وأتمنى ان يصل بطريقة او أخرى الى الشيخ الجليل الذي احمل له كل احترام وتقدير مثل الكثيرين لما يتمتع به من وعي ومعرفة وسعة أفق واستنارة وفصاحة وسعي وراء الحقيقة. ولا أحسبه يضيق بالنقد وهو من ابرز الدعاة الى احترام الرأي الآخر.
ومن الواضح ان غاية الشيخ من كلامه ان يحتج بالأدلة الدينية للشورى والتعددية السياسية والفكرية وسنة الاختلاف وقبول الآخر المختلف. وهي غاية نبيلة نتفق معه عليها. ولكنه وهو الذكي الفطن الأديب الأريب قد ذهب بعيداً في المماهاة بين الخالق وخلقه حتى بلغ تخوم الشطط وكان يغنيه عن ذلك ادلة أخرى واضحة من كتاب الله.
فقد جعل الله اختلاف الألوان والألسنة من الآيات الدالة عليه وعلى عظمته. واللسان يعني الثقافة لانه الحامل الأهم لها. كما قرر سبحانه ان الاختلاف علة وجودية في قوله : (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ) [ سورة هود: آية 119]
وقال جل وعلا (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ ) [ سورة هود: آية 118] فالاختلاف بهذا جَعْل إلٓهي ومشيئة ربانية ، فمن قاومها فكأنه يقاوم مشيئة الله وينازعه سلطانه. وقد جعل الله التدافع بين الناس شرطا لعدم فساد الارض. والتدافع لا يكون الا بين المختلفين. كما جعل الله الشورى قرينة الصلاة (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى) [سورة الشورى الآية: 38]
وثمة ادلة شرعية اخرى في هذا السياق تغني عن استدلالات الشيخ التي تلقي على مقام الالوهية بعض صفات البشر وأحوالهم مما لا يليق بحق الله.
فتعالى الله ان يستشير في أمره احداً من خلقه ومنهم ملائكته تعالى فهو منفرد به مستغن عن غيره لقوله : وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا). [ سورة الكهف : أية 26 ]
فالذي يستشير مفتقر الى رأي غيره او الى موافقته ورفع اعتراضه المحتمل وتعاونه في إمضاء الأمر.
وهذا ما يكون وينبغي ان يكون بين البشر. ولكنه لا يصح في حق الله الذي يعلم بعلم مطلق ويقدر بقدرة مطلقة وهو صاحب الامر والسلطان المطلقين. وأين مثل ذلك المعنى من قوله تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ). [ سورة الأنبياء: آية 23]
اما قول الشيخ ان الله تعالى لم يعمد الى التنكيل بإبليس سجناً او قتلاً كما يفعل الطغاة بمعارضيهم وخصومهم، إنما أنظره كما طلب الى يوم يبعثون وأطلقه يحاول تنفيذ مشروعه المناقض لأمر الله، فهذا كذلك استدلال فاسد لا يليق بحق الله ومقام الربوبية من وجوه عدة.
فان كان الله قد أجّله الى يوم القيامة لحكمة عنده وليختبر به المكلفين من عباده فقد الحق به لعنته وطرده من رحمته وحكم عليه وعلى من يتبعه بالشقاء المؤبد والجحيم الدائم يوم القيامة. فهل يشبه هذا الموقف الذي نتوخاه من السلطة الارضيّة الحاكمة تجاه المعارضة؟ ثم ان التعددية البشرية تنطوي على معنى الندّية الاخلاقية والقانونية بين القوى والجماعات المتعارضة. وفي السياسة تتناوب الأحزاب على السلطة بالطرق السلمية بين الحكم والمعارضة تحت مظلة قانون أساسي واحد.
فهل يجوز ان يقال مثل هذا في المعارضة بين الحق سبحانه وإبليس؟ بل لا يصح القول ان الله في صراع مع ابليس. فَلَو شاء لمحقه في لمح البصر. ولكن البشر في صراع مع ابليس وشياطين الإنس والجن ومع فجور أنفسهم الأمارة بالسوء. بل ما كان الله ليجعل للشيطان سلطاناً عليهم وهو القائل ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [ سورة الحجر: آية 42] وقال ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا). [ سورة النساء 76]
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللشيخ مورو وجلّ من لا يخطيء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.