تغريبة ثورية

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/01 الساعة 02:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/01 الساعة 02:52 بتوقيت غرينتش

أحياناً نبعد عن الوطن لكي نراه أفضل.. أو ربما لكي نتمكن في غربتنا من إدراك ما هو الوطن؟!

***

سألني صديق وأنا أعد العدة للرحيل: لماذا سترحل؟! .. فأجبته: لكي أتمكن يوماً ما من العودة.

***

"يلائمني الآن شكل الرحيلْ
يلائمكِ الآن شكل الأفولْ
فها نحن قبل مطاردة الليل للخارجين على بطشه نستقيلْ
ونكفر بالحبِّ
بالحلم بالغد
ننكر أنا التقينا هناكَ
على شاطئ المستحيلْ".
أبيات اعتدت أن أددن بها قبيل السفر للشاعر محمد إبراهيم أبوسنة (بتصرف).

***

كنا نحلم يوماً بوطن أفضل؟!.. الآن لم نعد ندرك بالضبط ما الذي يعنيه الوطن أو ما هو هذا "الأفضل"؟!

***

من بعيد وبمرور الزمن يفقد الوطن معناه المجرد.. فقط يتجسد في أشخاص وذكريات.

***

ما يقلقني هو أنه بمرور الوقت لا يظل الوطن وطناً ولا الغربة غربة.. فالوطن يزداد غربة يوماً بعد يوم والغربة تصبح موطناً.. حتى تشعر بعد فترة أنك لم تعد تنتمي إلى هنا أو إلى هناك.

***

اكتشفت للعولمة جانباً مضيئاً.. فبقدر ما بهتت هويتنا الخاصة في أوطاننا بقدر ما يسهل علينا الانتقال والتأقلم في بيئات جديدة تعولمت.. فالهايبرماركت ومطاعم الفاست فود وبراندات الملابس وماركات السيارات والأفلام الهوليوودية هي ذاتها.. فقط مع بعض التحسينات أو التشوهات.

***

ومع الوقت تتحول الجنسية بالنسبة لك من هوية للذات تحمل موروثاً ثقافياً حضارياً إلى حالة قانونية محايدة (أو باردة).. مثل عقد تملك بيت في حي ما قد تستبدله بعقد تملك بيت آخر إذا كانت شروط التملك الجديدة متيسرة لك.

***
هل ما زلت تحمل هم الوطن؟!
أظن أن الانتماء شعور فطري.. يعرفنا إلى حد ما من نحن ومن ليسوا نحن.. يعطينا قدراً من الاستقرار واليقين في ظل حيرتنا الأوسع في هذا العالم.

وإذا كان شعوراً مكتسباً فإن اكتسابه في سنوات العمر الأولى يجعله خبرة إنسانية مميزة من العسير جداً، إن لم يكن من المستحيل تكرارها، وإن تعلمت لغة أخرى أو انتقلت لتعاشر أناساً آخرين.

ثم إن هناك واجباً أخلاقياً تجاه هؤلاء الذين نتقاسم معهم -أو تقاسمنا معهم يوماً ما- الأرض والماء والهواء والهوية والذاكرة، لكن -في الحقيقة- تبقى كل هذه الأمور نسبية.. ويظل حلم الخلاص الفردي بأن تجد لك ولعائلتك وطناً جديداً وجنسية جديدة يلح عليك من آن لآخر.
فقط يبقى هم الوطن حاضراً وشاغلاً بالنسبة لي لسببين أساسيين:

ألا أخون طريق أولئك الذين فقدوا حياتهم أو أغلى سنوات أعمارهم أو نور عيونهم وهم يناضلون ويحلمون من أجل هذا الوطن..
كما أنه يعز عليّ أن يعلو القبح والسخف والدجل والبربرية في أي مكان في هذا العالم، فما بالكم بالوطن الطيب الذي نشأت فيه.

***

"والله إن سعدني زماني لاسْكُنِك يا مصر
وابني لي فيكي جنينة فوق الجنينة قصر
وأجيب منادي ينادي كل يوم العصر
دي مصر جنّة هنيّة للي يسكُنها
واللي بنَى مصر كان في الأصل حلواني"
من التراث الشعبي المصري.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد