متطرفون على الأبواب ومتطرفون خلفها.. الفلوجة بين ناري إرهاب

هذه المرة يخوض العراقيون معركتهم، إما لصالح إيران، أو لصالح "داعش"، والأكيد أن القتلى والجرحى والمعاقين سيكونون من العراقيين.. سيدفعون الثمن مجدداً، كما دفعه نصف مليون عراقي ماتوا نتيجة فرض عقوبات اقتصادية على نظام صدام حسين إثر غزوه للكويت، وكما دفعه مليون عراقي ماتوا إثر الغزو الأميركي للعراق

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/26 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/26 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش

انطلقت إحدى معارك العراق الكثيرة، معركة الفلوجة، أو "كسر الإرهاب" كما يحلو لرئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" أن يسميها، والقصد في ذلك -أعني الإرهاب- هو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". أما مسألة (الكسر)، فيبدو أنها تجاوزت التنظيم، لأن كل من في الفلوجة تحت نيران "العبادي" و"الحرس الثوري الإيراني" وميليشيا الحشد الشعبي وجنودهما.

حربٌ ضروس بعد سنتين كاملتين من حصارٍ شبه كامل، تسبب بموت العشرات جوعاً ودفع بالبعض للانتحار!

50 ألف مدنيٍّ لا يستطيعون الخروج، كما لا يستطيعون البقاء، وأكثر ما يستطيعون هو الموت بهدوء من غير صوت.. بحثت على يوتيوب لساعات، لم أجد تسجيلاً واحداً من شخص داخل الفلوجة، لا صور إلّا من عند "داعش" ولا أخبار إلّا من عند العبادي، يبدو أن حال الكاميرات كحال الطعام والشراب وقت الحصار، لا تصل بالمرة إلى أيدي الناس العاديين، بل تبقى في أيدي جنود التنظيم المتشدد.

نظرياً، سينتصر "العبادي"، ولكن عملياً، سيُهزم العراقيون مجدداً، بأن قتلوا بعضهم بعضاً على مأدبة تطرّف أعمى يجمع عمامتين سوداوين، إحداهما تقول "باقية"، والأخرى تقول "فاطمة". كلتا الرايتين عمياء، وكلتاهما تبحث في مفردات دينية، يبدو وكأنها كتلك حاربها كل أنبياء التوحيد عبر الزمان.

لا شك أن عمليات انتقام طائفي ستجري بعد اقتحام الفلوجة، هذا إن لم تكن قد بدأت بالفعل على يد "داعش"، فعدو المقتحمين والمدافعين واحدٌ، يبدو أنه "أهل السنة في الفلوجة"، هناك من يريد أن يتشفى بطفل أو امرأة ليعزز مقولاته الدينية التي تدعو إلى التسامح أيام الجمعة فقط!

لا تفاصيل أكثر من التي نتداولها على الإنترنت، لكن لدي معلومة صغيرة بحجم عقول قادة الحشد الشعبي وقادة "داعش" في آن واحد..
سنة 1979، كان الأميركيون في أحسن حالاتهم مع الجهاديين السنة.. نستطيع الحديث بلا مبالغة عن عشرات الملايين من الدولارات ذهبت لمجموعات تقاتل الاتحاد السوفييتي أثناء فترة الحرب الباردة.. الأميركيون استغلوا المجاهدين، ومنهم تنظيم القاعدة، وجماعة طالبان التي حكمت أفغانستان بعد سقوط الحكم الشيوعي وتدمير العاصمة كابل.. ما حصل هو أن الفوز كان حليف "لا أحد" سوى أميركا.

تقنياً الصراع في أفغانستان قريب جداً من أن يكون بين السنة والشيعة كما هو الحال في العراق، ونتيجة هذا الصراع لصالح قوى عظمى، وليس في صالح الأفغانيين.. نفس الأمر في العراق.

ولكن هذه المرة يخوض العراقيون معركتهم، إما لصالح إيران، أو لصالح "داعش"، والأكيد أن القتلى والجرحى والمعاقين سيكونون من العراقيين.. سيدفعون الثمن مجدداً، كما دفعه نصف مليون عراقي ماتوا نتيجة فرض عقوبات اقتصادية على نظام صدام حسين إثر غزوه للكويت، وكما دفعه مليون عراقي ماتوا إثر الغزو الأميركي للعراق.

هذه المرة، يجدر بالعراقيين أن يقولوا لنا كناطقين باللغة العربية، هل معركتهم لحرب داعش؟ أم لتحرير العراق؟.. إذا كانت لتحرير العراق، فهذا يستدعي أن يكون أهل الفلوجة على رأس لائحة الاهتمامات، لأن أرواحهم أرواح عراقية، هوياتهم الشخصية وجوازات سفرهم، وعشائرهم، كلها عراقية..

أما إن كانت المعركة لحرب داعش! فالمعركة معركة إيرانية يقودها عراقيون بدعم أميركي، كما كانت معركة "الجهاديين السنة"مع الاتحاد السوفييتي هي معركة الأميركيين في مواجهة المد الشيوعي.

هل يتذكر قادة الحشد الشعبي أن أصل "داعش" الأول يعود إلى تنظيم القاعدة؟ التنظيم الذي حارب قاداته مع الأميركيين في أفغانسان ضد السوفييت، ثم تحوّلوا إلى مطاردين في الجبال والوديان!

وإن كانت العلاقة الأميركية الطيبة مع الجهاديين السنة في أفغانستان قد انتهت بسبب مشروعهم السياسي الديني.. فإن العلاقة الطيبة مع "الجهاديين الشيعة" في العراق قد تتحول كذلك، طالما أن أجندتهم غير وطنية تبحث عن مشروع ديني قريب من مشروع تنظيم القاعدة. وهذا لن يقبله العالم كما لم يقبل غيره، وسينبذه النظام الدولي برمته ويحاربه أينما كان، بدءاً من داعمه الأكبر "إيران"! سواء عاجلاً أم في العشرين سنة القادمة.. وإلى ذلك الحين يبدو أن الفلوجة تحترق، وأن أهلها يموتون!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد