أثارت قضية مقتل الطفل إبراهيم جهاد النصلة (4 أعوام) جدلاً واسعاً في المجتمع الغزي، بعدما كشفت التحقيقات في تفاصيل الجريمة أن مقتله كان خنقاً على يد شقيقته (هدى) من والده والبالغة من العمر (19 عاماً).
وكما هو معروف أن القاتل لا بد أن تقع عليه عقوبته، وأن القانون يجب أن يأخذ مجراه، ويصبح موقف المجتمع واضحاً إزاء القاتل، ولكن قضية (هدى) ربما اختلفت نوعاً ما؛ حيث تعاطف معها نسبة لا بأس بها من المجتمع؛ حيث اتضح من خلال التحقيقات أن الفتاة هدى وهي البنت الثانية من والدتها "المطلقة" منذ سنوات طويلة، بأنها منذ قدوم زوجة أبيها إلى المنزل تتعرض للضرب والشتم من قِبل "زوجة الأب" باستمرار، كما كانت تُجبر على العمل في البيت تحت ضغوط نفسية كثيرة ومتنوعة.
وقالت هدى التي توفيت شقيقتها الأكبر منها في عام 2009، خلال التحقيق بشكل مفصل عن الألفاظ البذيئة التي كانت تتعرض لها من قِبل "زوجة الأب" وابنيها اللذين يبلغان من العمر نحو 12 و14 عاماً، حيث كانا أيضاً يشتمانها دائماً بألفاظ بذيئة جداً وكلمات جارحة، ويتعرضان لها بالضرب تحت ناظري والديها، دون أن يحرك حتى الأب ساكناً حيال ما تتعرض له ابنته من زوجته المطلقة، حسب قول هدى.
وفي تفاصيل ما جرى قبل لحظات من مقتل الطفل، أوضحت هدى خلال التحقيقات أنه وخلال ساعات الليل من مساء الثلاثاء، كانت جالسة أمامه تقوم بإطعامه كما جرت العادة، حيث تحضر له الطعام كل يوم، مؤكدة أنها لم تكن تنوي إيذاءه أبداً، كما أنها لم تكن قد خططت لأي فعل مسبق.
وقالت هدى خلال التحقيق: "بعد تجهيزي للطعام بدأت بإطعامه العشاء، وكنت أمسح وجهه كلما نزل بعض الطعام من فمه، وخلال ذلك ضربني أكثر من مرة على وجهي وغيره، وقبيل الانتهاء من تناوله الطعام وضع أصابع يديه في عيني، فقمت بردة فعل لم أشعر بها بتاتاً ووضعت يدي على رقبته دون أن أفهم ما يجري، ثم تركته بعد وقت قصير حتى اعتقدت أنه نام، فقمت بنقله إلى السرير وغطيته ثم ذهبت لأنام، دون أن أعرف أنه مات".
وأضافت أنه في ساعات الصباح فوجئت والدته بأنه لا صوت له كما جرت العادة بأن يفيق في وقت باكر من نومه، وأثناء تفقده وجدت الأم ملامح زرقاء على وجهه فأخذت بالصراخ، ومن ثم نقل للمستشفى ليتبين أنه فارق الحياة؛ حيث ساد الاعتقاد أولاً بأنه توفي بشكل طبيعي، قبل أن يتفقده الطبيب الشرعي الذي كشف عن آثار خنق على رقبة الطفل.
وتقول المصادر الأمنية إنه فور الكشف عن أن الطفل توفي نتيجة الخنق المتعمد، توجهت قوة من المباحث للبيت وبدأت بالتحقيق، لتكتشف أن الفتاة تقف خلف عملية قتله.
إنها ليست الجريمة الأولى التي يتعرض لها المجتمع الغزي، حيث شهد قطاع غزة في الفترة الأخيرة العديد من حالات الانتحار والجريمة، أثارت حالة من القلق نتج عنها كثير من المخاوف أن تصبح هاتان الحالتان عدوى تنتشر بين المواطنين خاصة فئة الشباب .
فالجرائم المتلاحقة التي شهدها قطاع غزة في الفترة الأخيرة زعزعت الأمن في نفوس المواطنين، والتي يرى الكثير أن أسباب انتشارها هي تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة جراء الحصار الإسرائيلي، بالإضافة لاستمرار حالة الانقسام.
مختصون بمجال الطب النفسي أكدوا أن تركيبة المجتمع الغزي أصيبت مؤخراً بـ"تعقيدات نفسية" بناءً على تقارير المؤسسات الحقوقية والاقتصادية التي أكدت فيها أن الحصار والانقسام وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام أدنى مستويات الحياة والمعيشة هي من أكثر الأسباب المساهمة في تزايد الجريمة والظواهر السلبية المنتشرة من جرائم قتل أو انتحار.
وحذر مختصون وحقوقيون من ازدياد معدلات الجريمة في قطاع غزة وانعكاساتها السلبية على المجتمع الفلسطيني، مؤكدين أنها تعكس حالة اليأس التي يمر بها الشباب الفلسطيني لانعدام فرص العمل وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وأخيراً قبل أن تحاكم الفتاة هدى على جريمتها.. ويكون القانون سيد الموقف.. يجب أن تحاكم ظروفها وبيئتها ومجتمعها الذي خلق منها مجرمة، فهل يحكم القانون بالعدل؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.