في غزة.. العصبية صفة محمودة والانتحار أفضل قرار!

هل العصبية والغضب والثوران في مثل هذه الموافق تعتبر تصرفاً همجياً؟ أرى أنه أقل ردة فعل يمكن أن أرتكبها كمواطن غزي، ولجوء كثير من المواطنين إلى الانتحار هو ردة الفعل الأخيرة بعدما تضيق جميع سبل الحياة الكريمة؛ حيث شهد قطاع غزة محاولات انتحار كثيرة، وقضايا كثيرة لم نكن نسمع بها من قبل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/17 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/17 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش

العصبية هي تصرف ينبع من شخصيتك بشكل سريع وغير متوقع، وعادة ما يكون هذا التصرف غير عقلاني؛ لأنه سيظهرك للجميع بشكل مغاير ومختلف لطبيعتك التي اعتادك عليها الناس، العصبية هي أحد مكونات النفس البشرية التي مهما حاولت إخفاءها أو السيطرة عليها أو حتى كبح جماحها، فإنها في لحظة ما ونتيجة لحدث أو مؤثر خارجي ما قد تظهر على الملء بشكل متفاوت حسب مدى تأثرك بالحدث.

العصبية غير مرتبطة بمرحلة عمرية، فالأطفال مثلاً قد يتعرضون للعصبية الزائدة نتيجة للغيرة من مولود جديد في العائلة، والمراهقون من الجنسين يكونون عرضة لتصرفات غير مسؤولة تسبب لهم التوتر والعصبية والحدة التي تكون نتيجة للتغيرات الفسيولوجية التي يتعرضون لها، والشباب أيضاً معرضون للعصبية، خصوصاً بعد انتهاء مراحل التعليم ومواجهة الواقع ومتطلبات سوق العمل، والسعي لإثبات الذات مع قلة الفرص المطروحة، وكبار السن معرضون للعصبية نتيجة لاستمرار ضغوط الحياة وقلقهم المستمر على مستقبل أولادهم.

لا يخفى على أحد، ولا يستطيع أحد أن ينكر، أن العصبية هي تصرف سلبي ينفر الناس منك، ولكن حجم الضغوط النفسية التي نتعرض لها بشكل يومي له دور رئيس في عدم قدرتنا على السيطرة على مشاعرنا، فالتهديد مثلاً، سواءً أكان تهديداً اجتماعياً أو جسدياً أو مالياً يزيد من الضغوط النفسية التي يكون لها أثر كبير في عصبية الأشخاص، والتنافر المعرفي الثقافي، أي عندما يكون هناك خلاف بين ما نفكر به وبين ما نفعله على أرض الواقع يزيد من الضغوط النفسية، والشعور بأننا لا نستطيع الالتزام والوفاء بواجباتنا يؤزِّم المسألة أكثر وأكثر.

يقولون إن من فضائل الأخلاق عند العرب الحلم والهدوء والسيطرة على المشاعر والعصبية، ولكن.. في مدينتى غزة المحاصرة منذ أكثر من عشر سنوات مضت كيف لا أكون عصبياً؟ عندما أرى طلاب الجامعات يتخرجون بالآلاف سنوياً ومعدلات البطالة تزيد بشكل كبير ولا يوجد أي حلول في الأفق؟ كيف لا أكون عصبياً وأنا أرى الحزبية والسياسة قد لمست وأثرت بشكل سلبي على جميع نواحي حياتنا؟ كيف لا أكون عصبياً وأنا أرى النساء يبكين بذل وانهيار أمام المعبر الوحيد.. ويرجون السماح لهن بالسفر؟ كيف لا أكون عصبياً وأنا أرى العمال وأرباب الأسر معطلين منذ ما يزيد على ستة عشر عاماً وينتظرون الكوبونة (مساعدة غذائية أو مالية صغيرة.. تقدم كل فترة زمنية معينة من بعض المؤسسات والمجتمعات الخيرية)؟ كيف لا أكون عصبياً وأنا أسمع سائقي السيارات العمومية يشكون من شح الوقود وارتفاع ثمنه وكثرة الضرائب المفروضة عليهم؟ كيف لا أكون عصبياً وهناك أزمة كهرباء منذ ما يزيد على عشر سنوات، وحالات الاحتراق والاختناق من الأطفال والنساء تتزايد يوماً بعد يوم؟ كيف لا أكون عصبياً وأنا أرى الدين في داخل دور العبادة فقط، وكثيراً من الأساليب السيئة وقمع الحريات وتكميم الأفواه تمارس باسم الدين؟

هل بعد كل ما سردت من مواقف وظروف، هل أستطيع أن لا أكون عصبياً؟ هل أستطيع أن أتناسى وأتجاهل كل هذا الكم من المآسي وأستمر في جدول مهامي اليومية بشكل طبيعي؟ كيف لي؟ كيف لي أن أتحول إلى صخرة صماء بلا مشاعر وبلا أحساسيس؟ كيف لي أن أكبح نفسي من الثوران والغضب في مثل هذه المواقف؟ كيف لي أن أقتل إنسانيتي وأكتفي بالدعاء بالفرج دون أي توفير للأسباب؟

هل العصبية والغضب والثوران في مثل هذه الموافق تعتبر تصرفاً همجياً؟ أرى أنه أقل ردة فعل يمكن أن أرتكبها كمواطن غزي، ولجوء كثير من المواطنين إلى الانتحار هو ردة الفعل الأخيرة بعدما تضيق جميع سبل الحياة الكريمة؛ حيث شهد قطاع غزة محاولات انتحار كثيرة، وقضايا كثيرة لم نكن نسمع بها من قبل.

فتصبح في غزة فقط.. العصبية صفة محمودة.. والانتحار أفضل قرار!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد