في ورشة عمل تفاعلية ساخنة أجريت في إحدى المناطق الداخلية المحررة من سوريا، وكانت عن اختراق النظام السوري للجماعات والأحزاب والفصائل المعارضة المختلفة، العسكرية منها وغير العسكرية، وصل البحث إلى محور: "اختراق النظام للأماكن المحررة عن طريق السكان المدنيين"، وطُرحت معادلة أمنية صعبة كان نصّها: "من خبرتنا القديمة والحديثة بنظام آل الأسد وبدراسة تحليلية لسلوك النظام الأمني وبدراسة ميدانية عملية أثناء سنوات الثورة، وبدراسة متقدمة مركّزة محدّثة للاحتمالات المتوقعة، وصل الباحث إلى مسلمات أمنية عديدة، وبنسبة ترجيح تجاوز التسعين بالمائة"، وكان من بين هذه المسلمات:
"إن أغلب العاملين بشكل دائم بين مناطق النظام والمناطق المحررة متورطون أمنياً مع النظام بشكل دائم أو جزئي أو لمرة واحدة، وأن هؤلاء يمتهنون العمل العلني كتجار أو سائقين أو عمال، وأوردت الدراسة نسبة أقل من فئة الموظفين وقاربت النسبة للموظفين نسبة الخمسين بالمائة، وغلب على تعاونهم المرة الواحدة أو المرات القليلة".
وعلى هذه النتيجة حصل لغط كثير وجدل غير عقيم شديد ومراجعات عديدة لأرقام الباحث وأدلته وتحليلاته، ووصل الأمر في النهاية إلى اقتراح من الباحث أن يتم استقدام "استدراج" أحد المشمولين بالفئات المذكورة كعينة عشوائية، وأن يتم فحص ذلك معه، باستجواب وضغط، دون أي استخدام للعنف الجسدي "التعذيب"، واقترح أحد المشاركين على الفور اسماً قريباً له من بعيد يعمل سائقاً بين المناطق المحررة ومناطق النظام لمدة سنتين متصلتين، وما زال.. وقال: أستطيع أن أصطحبه بشكل طبيعي كزيارة لأصدقاء… وتم ترتيب ذلك بسهولة، وفوجئ الجميع بالنتيجة السريعة المذهلة:
وُضع الشخص في جو استجواب حازم بوجود السلاح الموجه، وتم إبلاغه أن الحاضرين يعملون في لجنة ثورية أمنية، وأنهم يعلمون كل شيء عن تعاونه مع النظام، ولم تُذكر أمامه إلا معلومة واحدة مفترضة أن الضابط الفلاني على الحاجز الرئيسي "وكان اسمه معروفاً وشائعاً" يأخذ منه معلومات وخدمات، وأننا فقط نريد منه أن يبلغنا ما يُطلب منه أولاً بأول، وأننا لا نريد إيذاءه أو أن يقع بأيدي آخرين لا يرحمون… لم يمض وقت طويل حتى انتقل هذا المتعاون إلى التبرير وذكْر الضغوط والظروف والحيثيات وأمور أخرى، وبلهجة باكية أعلن عن استعداده للتعاون مع الثوار وأن هذا يريحه من عذاب الضمير.
بعدها تم اعتماد هذه المسلمة الأمنية في نتائج العمل، وكانت هناك مسلمات أخرى عديدة وصل المشتغلون فيها إلى اعتماد رصين يتراوح في التصنيف بين الأسس الهامة والمسلمات في المجال الأمني ومنع الاختراق.. ولكن.
ولكن يبقى السؤال الهام: هل أخذ العاملون في الثورة من المعنيين بهذه الأسس والمسلمات؟
سؤال جوابه محزن؛ لأن أسئلة تسبقه تطرح نفسها: هل هناك معنيون فعليون بأمن الثورة؟ هل وصلت هذه الأسس الأمنية والمسلمات للمعنيين؟ هل أخذ أحد بها وطبقها وحمى بها الثورة… ثورة أشد ما يطعنها ويجهض ملاحمها الخرق الأمني الخطير الواسع؟
وقد كان آخر حادث استنزاف شديد للثورة ومجاهديها بسبب الخرق الأمني قد حصل في معارك عين دقنة والبيلوني ضد مرتزقة البي يي دي في ريف حلب الشمالي.. استطاع العدو أن يستخدم المتعاونين العملاء من المدنيين فاستخدم النساء للاقتراب من المقرات وتسجيل كل التحركات، ومن خلف النساء كانت هناك شبكة كاملة.. ومن خلال من يسمون أنفسهم "جيش الثوار" حصل المزيد والمزيد من الإرباك والتغلغل، فراية الجيش الحر يرفعونها ويتطوعون مندسين هنا وهناك داخل الفصائل الموجودة ويطعنون ويزودون أو ينسلخون في الوقت المدروس المخطط له.
وفي يوم المعركة ذكر قادة العمل وجود مجموعات متفرقة شتى لم يتمكن أحد من التحقق منها تريد المشاركة وتُظهر الحماسة، مجموعات لم تُبلغ رسميا بالعمل ولم تُعلم وإنما علم الجميع بالعمل وتوقيته في كل مكان وفي كل خيمة.
واستطاع العدو أن يعرف الكثير والكثير عن طريق عشرات السائقين الذين كانوا ينتقلون بين مناطق الثوار ومنطقة عفرين بشكل يومي مكثف.
وأمور مريبة أخرى كثيرة وخيوط عديدة باتجاهات شتى لو علم المتابعون المهتمون عمقها وأثرها لعلموا أن الخرق الأمني في الثورة يكاد يكون العامل المهلك الأول إذا ربطنا وجوده واستفحاله بالتشرذم القائم بين الفصائل والمجموعات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.