هل سمعت عن "الملحفة"؟
إنه الاسم المتعارف عليه بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عن وثائق التعريف التي يستخدمونها: وثيقة السفر، الهوية، بطاقة التموين!
تتمتع وثيقة سفر اللاجئين، المسماة تجاوزاً "جواز السفر"، بمميزات تُشعرك بتميزك عن كل البشر والمواطنين! ولكن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة هذه المميزات:
1- اسم فخم: ليس جواز سفر، ولا باسبور، ولا جواز مرور، الاسم الرسمي هو "وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين"!
2- اللون المعتّق: البني المحروق، وبعض النسخ بلون الكاكاو، تمرّ عليه العوادي والنوازل (كالتهجير والبلل والحرق وغيرها) فيتحدّاها جميعها، ويصبح معتّقاً بعد فترة، وإمعاناً في التعتيق والعمل الفني تُضاف إليه الخطوط الذهبية التي تزيد من أناقته ورونقه، في حين أن ألوان جوازات بقية الدول مختلفة عنه، وإن كانت تتشابه مع بعضها!
3- الحجم الكبير: يزيد حجمه سنتيمتراً من كل جهة عن الحجم العادي المعتمد وفق المعايير الثابتة دولياً، وهو حجم يرفض أن يُركن في جيب قميص أو سروال. وستحتاج له حتماً جيوباً خاصة بحجم كبير، أو ربما جاروراً (دولاباً) في ثيابك.
4- صلب الغلاف: غلافه من الورق المقوّى الذي لا يمكن طيّه، فهو مجلد تجليداً فنياً بعناية وصلابة، عزيز النفس قاسي الملامح، لا ينحني ولا ينطوي. ويمكن استخدامه لصلابته في العراك كسلاح أبيض. ويمكن رميه على هدف ولا "يَطيح" بعيداً، فهو كتلة واحدة لا تفتح صفحاته بسهولة في الهواء.
5- نادر فريد: بحيث يعجز عن قراءته أي قارئ آلي في المطارات ومراكز الأمن!
6- صناعة يدوية: يجري ملء معلوماته بخط اليد، بعناية وانتباه وحرفية، يعني hand made.
* * *
حجمه الكبير دفع الفنان ناجي العلي (رحمه الله) لأن يرسمه كخيمة يعيش فيها اللاجئ الفلسطيني، وإمعاناً في تأكيد ضرورة الحجم الكبير للاجئين الفلسطينيين، التحقت بطاقة الهوية بهذا المفهوم، فبات حجم الهوية الفلسطينية في لبنان ضعف حجم الهوية اللبنانية. فضلاً عن أنها بخط اليد وغير ممغنطة.
وكذلك الأمر بالنسبة لبطاقة التموين (كارت الإعاشة) الذي كان مربعاً صغيراً، فتضاعف حجمه ليصبح مستطيلاً بحجم بطاقتين من الحجم المربع السابق، ثم تضاعف مرة أخرى ليصبح مربع الشكل بحجم بطاقتين من الحجم المستطيل السابق.. وهكذا…
كأنهم يقولون للفلسطيني وبطاقاته التعريفية: تمتّع يا كبير!
***
لا تصدقوا شيئاً مما قلته لكم عن كل هذه الميزات التي ذكرتها! فكل هذه الميزات والصفات الخارقة تبقى زيادات مادية في الشكل، ولها مفعول سلبي في المطارات، تبدأ من نظرة الاستهزاء بهذا "الكتاب"، وصولاً إلى تمييز الفلسطيني من مسافة بعيدة.. أما المضمون المعنوي فهو "صفر" دبلوماسياً وقانونياً.. يا فرحتنا!
فهذه الوثيقة، لا يمكنها أن تدخل إلى أي بلد في العالم بدون تأشيرة! فضلاً عن أن استصدار التأشيرة إلى أي بلد تُعد معاناة ما بعدها معاناة، يشعر صاحبه أنه متهم حتى تثبت براءته، ويمنع عليه أن يعيش ترف السياحة والمشاركة في المؤتمرات وغيرها.
والاسم الفخم "وثيقة" يدل على أن صاحبها منكوب. واللون المعتّق مع الخط الذهبي لتمييزها عن بقية الجوازات من بعيد. والحجم الكبير هو زيادة في التعذيب لحامله الذي يأخذ بعين الاعتبار هذا الحجم عند شراء قمصانه. وصلابته تعني إعاقة جديدة لمعاملات اللاجئ الذي لا يتحكم بطيّ وثيقته. أما الندرة والفرادة، فإن عدم عدم قدرة القارئ الآلي على قراءتها، تسببت في العام الماضي في منع مئات المعتمرين من الوصول إلى الديار المقدسة. وتبقى الصناعة اليدوية، فهي مصيبة المصائب، وخصوصاً حين يخطئ الكاتب في حرف أو رقم، فيبدأ شقاء إعادة استصدار الوثيقة.
فعلاً.. شرّ البلية الفلسطينية ما يضحك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.