في همومنا الكردية السورية

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/09 الساعة 03:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/09 الساعة 03:22 بتوقيت غرينتش


(1)

المشكلة في الأحزاب الكردية المتهالكة دون استثناء أنها ماضية في المزايدات والديماغوغية ترفع شعارات جوفاء من دون مضمون، مثلاً دعوتها إلى (توحيد الصف وتوحيد الخطاب) مبهمة وغير واضحة؛ لأنها تفتقر إلى رؤية واضحة شفافة، وهل يمكن الدعوة لخطاب موحد من دون برنامج سياسي شفاف؟ ثم ما هو الخطاب الذي يسعون إليه ومضمونه السياسي؟ هناك تفسير واحد وهو أن كل حزب يطلب من الأحزاب الأخرى الالتحاق به وتبني مواقفه والخضوع لإرادته والانخراط في صفوفه.

جميع الأحزاب الكردية فشلت وتشتت، وتحولت عبئاً ثقيلاً على كاهل شعبنا، وفي مقدمتها الأكثر مثاراً للجدل، والحامل للقسط الأكبر من مسؤولية التردي والانحطاط، وأقصد حزب اليمين، الذي يتلطى بصفة "التقدمي"، وهو منه براء، فهل سمعتم عن حزب تقدمي ما زال مؤسسه (صديقي اللدود) سكرتيره منذ نحو نصف قرن؟ وعندما التقيت به مصادفة قبل عامين في القاهرة، وفوجئت بحالته، نصحته بشكل غير مباشر -بأن يستريح ويريح- طبعاً أنا شخصياً أشفق على وضعه؛ لأنه كان بمثابة المرجعية للسلطة السورية ومعتمدها، خاصة في عصر (أبو جاسم)، وفقد ذلك الدور بعد أن زاحمه آخرون أكثر عطاء للنظام وأزاحوه، وبعد أن توجه إلى السليمانية ووضع (كل البيض في سلتها)، عاكسه الحظ مرة أخرى عندما واجه حقيقة أن مركز القرار في أربيل، ولم يعد باليد حيلة سوى ممارسة ردود الفعل على الأحداث والتطورات، فعندما لاحظ -خطأ- أن الطريق إلى دمشق يمر من جنيف، طالب بتوحيد الخطاب، وناشد السيد رئيس الإقليم إعادة ترتيب الأمور؛ ليرأس هو الوفد (الكردي)، وعندما أحس بوجود مشروع وطني جديد بديل عن الأحزاب أطلق تصريحات عاجلة ظناً منه أنه سيقطع الطريق على أية محاولة إصلاحية بديلة، وأرى هنا مجدداً، وعبر منبركم، أنه من الأفضل (لصديقي اللدود) أن يتقاعد ولو متأخراً ويفسح المجال لغيره.

(2)

من الخطأ تسميته (الوفد الكردي)، فهو لا يمثل الشعب الكردي السوري، ولم يخول للتحدث باسمه، والأصح تسميته بوفد كردي حزبي يمثل عدداً من الأحزاب من ضمن نحو 40 حزباً كردياً سورياً معلناً طبعاً، حتى الائتلاف لا يدعي تمثيل الشعب السوري، والوضع في بلادنا يتسم بالاستثنائية، وحركة المعارضة منقسمة ومتباينة الأهداف، ومتعددة الأجندات، حتى قوى الثورة مشتتة، والجيش الحر مفكك؛ لذلك فالحالة العامة أحوج ما تكون إلى إعادة البناء، والشعب السوري بعربه وكرده ومكوناته الأخرى ينتظر انبثاق قوى جديدة وطاقات حية من الحراك الشبابي ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين؛ لإعادة الأمور إلى نصابها، بتحقيق عقد المؤتمر الوطني العام، يسبقه المؤتمر القومي الكردي، من أجل التوصل إلى برنامج سياسي إنقاذي، وقيادات فاعلة تتوزع بين السياسيين والعسكريين لمواجهة التحديات، وتحقيق انتصار الثورة.

(3)

أقدام مسلحي "ب ي د" على استعراض العشرات من جثث ضحايا الاشتباكات في ريف حلب العائدة لفصائل معارضة لنظام الاستبداد، وليس بينها لا "داعش ولا النصرة ولا القاعدة" بأحد شوارع مدينة "عفرين" على إحدى الشاحنات المعارة من ميليشيات حزب الله في بلدة "نبل" من دون أي احترام للمشاعر الإنسانية ولمبادئ العيش المشترك بين الكرد والعرب.

صحيح أن الحدث حصل في "عفرين"، ولكن أهلنا هناك واجهوا ذلك التصرف المشين بالرفض والإدانة، خاصة أن غالبية سكان المدينة بمثابة رهائن لدى مسلحي هذه الفئة الخارجة من الخندق الوطني والموالية لنظام الاستبداد، بل إن هناك مناضلين كرداً معروفين في سجونها وأقبية تعذيبها.

مهما تطلق من أوصاف قاسية حول جريمة جماعة "ب ي د" في شوارع عفرين قليلة على مقترفيها، وعلينا نحن الكرد أن نغادر إلى الأبد الخطاب التبريري المتبع البالي، فكل إنسان سوي يتمنى أن يعتز بمحاسن شعبه، ويفتخر بماضيه وحاضره، ولكن الحقيقة أن في كل شعب، ومنهم الكرد، أخيار وأشرار، وفي حادث عفرين، وقبل ذلك في أكثر من مكان لا يتعلق الأمر بخطأ فردي ثم اعتذار، بل نابع من نهج فكري – ثقافي مغامر، ووظيفة سياسية لجماعة كردية ضمن مشروع نظام الاستبداد نحو تشويه الثورة، وإثارة الفتنة العنصرية، والاستمرار بتدمير المناطق الكردية بطرق مستحدثة، ما جرى كان إشارة الانطلاق للانتقام ليس من أهلنا الطيبين في عفرين فحسب، بل من كل من هو كردي الانتماء، وتردد أن مسؤول حزب الله في (نبل)، ويدعى "حجي لبناني"، حضر هذا الاستعراض، إضافة إلى فريق قناة المنار التلفزيونية.

(4)

مثل هذه المواجهات تقع عادة منذ أعوام، وفي أكثر من منطقة، بين جماعات مسلحة من خندق واحد، فقد تابع السوريون مثلاً تقاتلاً بين قوى النظام ومسلحي داعش، وبين جماعات النصرة وداعش، وبين مسلحي حزب الله وجيش النظام، لأسباب ذاتية، وحول النفوذ، وتقاسم المغانم، ولكن لا تلبث أن تهدأ وتعود الأمور إلى نصابها، هذا ما تعلمناه من تسلسل الأحداث الدامية في معظم المناطق السورية، خاصة في خندق النظام ومواليه وشبيحته.

عادة وحسب التحليل العلمي والمنطق، فإن المواجهة بالسلاح هي تعبير عن مواقف سياسية متناقضة، ولكن في حالة أحداث قامشلي يغيب المنطق، وتنتفي الخلافات السياسية فجماعات "ب ك ك" في خندق النظام، وليست ضمن صفوف الثورة، ولا مع تشكيلات الجيش الحر، ووجودها لا يناقض تمركز قوى السلطة في مختلف المدن، وخصوصا في القامشلي، فالطرفان متفقان ومتعايشان ومتعاونان، وليس هناك أي مؤشر لتحول سياسي في موقفها تجاه النظام والثورة، فالعمل العسكري المشترك بين الطرفين قائم في الشيخ مقصود وريف حلب والحسكة ومناطق أخرى، ولم يتبدل حتى اللحظة.

بطبيعة الحال لا نستبعد وجود وتفاقم خلاف داخلي بين صفوف جماعات "ب ك ك" في سوريا، فالمقاتلون الشباب من النساء والرجال وبحسهم الوطني مع مواجهة النظام وتبديل الموقف ومع الإجماع القومي والوطني، ولكن أصحاب القرار من "أشباح" قنديل ودمشق واللاذقية وتأثيرات "المخابرات الجوية" ومسؤولي فيلق القدس هم المسيطرون الآن، ولن يفسحوا المجال لأي تحول سريع، ودليلنا هو ما نسمع من دعايات رخيصة وحملة مسعورة ضد قيادة إقليم كردستان العراق ورئيسه على وجه الخصوص، وإذا كانوا جادين في مواجهة النظام كان عليهم البحث عن الاتفاق الكردي – الكردي، والترحيب باستعداد الإقليم لتقديم الدعم واستقبال من يريد القتال ضد قوى النظام من كرد سوريا في الإقليم والبلدان المجاورة، وما سمعناه من تصريحات المسؤولة عن قوات "ب ك ك" (وهي عضو قيادي من كردستان تركيا مرتبطة بقنديل وتقود – الأساييش والحماية في القامشلي)، توحي بأن المسألة في طريق الحل ولا عداوة مع قوى النظام والموالين له.

هذا ما رأيناه وشخصناه منذ اليوم الأول للاشتباكات، وقد تأكدت قراءتنا عندما تمت (المصالحة) في قلب المربع الأمني بمحيط مطار القامشلي، وهو المركز الرئيسي لقوى السلطة وأجهزتها الأمنية، ويحتوي على قواعد ومكاتب ومخازن ومراكز مراقبة وتنصت لقوات فيلق القدس ومسلحي حزب الله اللبناني، وأخيراً القوات الروسية.

(5)

علاقة الأمريكان بـ"ب ي د" مصلحية وقتية عملية لا تستند إلى شراكة سياسية والتزامات وتعهدات، فهم بحاجة في مشروعهم تجاه داعش -خاصة بسوريا- إلى من يقاتل على الأرض؛ لأنهم لم يقرروا إرسال جنودهم المشاة، وليس هناك أية آفاق واضحة أو واعدة لعلاقات الطرفين، لأسباب كثيرة، أولها طبيعة "ب ي د" كتابع للحزب الأم الموسوم بالإرهاب، وثانيها خروج "ب ي د" عن الإجماعين الكردي والوطني في سوريا، وثالثها على الصعيد القومي بنظر الأميركان والغرب عامة، فإن المركز القومي الأهم والأكثر مصداقية هو كردستان العراق وقيادة البارزاني، وليس جماعة قنديل المرتبطة بالسياسة الإيرانية، ورابعها بالنهاية سيتمسك الأميركان والغرب بتركيا كعضو بالناتو في نهاية المطاف، وخامسها "ب ك ك" وتوابعه في البلدان الأخرى في صف الخندق الآخر (الممانع)، ومن نصيب روسيا التي بدأت باستغلالهم لصالح نفوذها وضد تركيا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد