ذكرني كلام الدكتور برهان غليون، في معرض رده على مقالي الذي ذكرت فيه أن السبب الذي قاله لي بالحرف والنقطة والفاصلة لرفضه المشاركة في أول مؤتمر عقد للمعارضة السورية في مدينة أنطاليا التركية، هو وجود شخصين يمولهما الأميركان وذكرهما حينها بالاسم، وهما أنس العبدة ورضوان زيادة، بأن النظام ومؤسساته الإعلامية يستفيدون من نشر الغسيل الوسخ للمعارضة السورية، وأن ضرب المعارضة السورية يؤدي في النهاية إلى تكريس دعاية النظام بأنه لا يوجد إلاّ طرفان في الصراع السوري هما النظام وداعش، ذكرني هذا التبرير الذي استخدمه بذرائع النظام الذي كان يقول كلما واجه نقداً بأننا في معركة مصيرية مع الصهيونية والإمبريالية والرجعية، وأن مثل هذا الكلام سيساعد أعداء سوريا، وهي التهمة التي كنت أسمعها في كل فرع أمني استدعيت إليه، عقب كل مقال من مقالاتي، ولوهلة شعرت وأنا أقرأ الستاتوس الذي كتبه أنني أمام ضابط الأمن الذي طالما ذكرني بأن هناك عقوبة على تهمة اسمها "وهن نفسية الأمة".
قصة الإساءة للثورة أو للنظام التقدمي الذي يعيش في بحر من المخاطر تترصده من كل حدب وصوب، وأن أي نقد له سيصب في صالح الأعداء، حجة قديمة وصالحة على الدوام لتكميم الأفواه وقطع الألسنة وإلغاء النقد والتفكير، وهي حق طالما استخدم لتمرير باطل، وقبل برهان غليون وضباط المخابرات السوريين الذين كانوا يسوقونها لمنع أي صوت معارض، قالها قادة الثورة البلشفية في روسيا للينين عندما جاءوا يشكون له شاعر الثورة مايكوفسكي الذي كان يتحدث عن أخطاء الثورة، بحجة أن حديثه يصب في خانة أعدائها من الإمبرياليين، فسألهم لينين حينها: وهل هذه الأخطاء موجودة؟ وعندما هزوا رؤوسهم بالإيجاب، قال لهم لينين بأن أعداء الثورة سيستفيدون أكثر فيما لو بقيت هذه الأخطاء موجودة، وتم السكوت عنها.
يعرف الدكتور غليون أنه لا توجد معارضة قدمت خدمة للنظام الذي تواجهه أكثر من المعارضة السورية التي كان هو جزءاً رئيسياً فيها؛ لأن أعضاءها انشغلوا بصراعاتهم الديكيّة ومصالحهم الشخصية وتقديم رؤى ومصالح الدول التي اعتمدتهم ومولتهم وفرضت عليهم رجالها وسياساتهم وخلافاتها وتنازعها بين بعضها البعض على مصلحة الثورة، ويعرف أكثر من أي أحد آخر كيف عُيّن كأول رئيس للمجلس الوطني السوري نتيجة تفاهم بين جماعتي رياض الترك والإخوان المسلمين، باعتباره شخصاً يسهل قيادته من وجهة نظرهم، وأنه قضى كل فترة رئاسته للمجلس وهو يحاول أن يسد ثقوب السفينة، وهمه الأول والأخير البقاء في سدة الرئاسة، ولأجل ذلك قبل أن يخرق قانون تداول الرئاسة الذي يحدد مدتها بثلاثة أشهر، ويرضى بفرضه مدة ثانية من قِبل رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم، بحجة أنه لا يوجد أحد يبدّل أحصنته وهو داخل السباق.
لا أريد أن أحوّل ردي على الدكتور برهان غليون حول المعارضة السورية إلى سجال شخصي، مع أني أعتبر أنه لا يوجد شيء شخصي بالنسبة للشخصية العامة، وخاصة إذا استغلت منصبها في تحقيق مكسب مالي أو معنوي او جنسي، وهو يعرف أن باستطاعتي أن أسرد الكثير من القصص عن سلوك وارتباطات شخصيات المعارضة التي يدافع عنها وينزهها ويستخدمها كمتراس لدفاعه عن نفسه، وهو الذي شارك في كل المؤسسات الفاشلة للمعارضة من المجلس الوطني للائتلاف، ولم يسجل اعتراضاً علنياً واحداً على تعيين قطر لمعاذ الخطيب رئيساً للائتلاف، ثم قبل العمل مع أحمد الجربا وهادي البحرة اللذين وصلا إلى رئاسة الائتلاف بدعم سعودي، وفيما بعد مع خالد خوجا الذي فرضته تركيا، وصولاً لأنس العبدة الذي قال عنه هو نفسه بأنه ممول أميركياً، وبقيت كل أحاديثه عن هؤلاء وغيرهم في إطار الثرثرة والهمس والنميمة التي لا تليق بأكاديمي يتحدث بلسانين ووجهين!
أية معارضة شريفة يتحدث عنها الدكتور غليون، ويهدد بأن داعش بديلها إن تم كشف فضائحها وصلاتها ومؤامراتها وارتباطاتها؟ وهل هي فعلاً أقل ضرراً بالثورة من داعش؟ هل هي المعارضة التي كانت تشتري سكوت الأشخاص بعضوية في المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض؟ أم المعارضة التي تعيّن محظيات عضوات في تلك الهيئات وتصحبهن معها في رحلات عمل إلى الصين وغيرها؟ أم المعارضة التي كانت تتمول من الدول مرة بغلاف راتب من مركز دراسات، ومرة بحجة إنشاء تيار سياسي؟ أم هي المعارضة التي قبلت بكل ما أملاه عليها السفراء ومديرو المخابرات ووزراء الخارجية من أوامر؟
أم هي المعارضة التي قسّمت فصائل الثورة واشترتها ورشتها ومولت المعارك بينها وفرقتها بين إرهابي ومعتدل وقيد التعديل ومحتمل القبول وأيدت قصفها؟ أم هي المعارضة التي راعت خواطر كل الأقلويين والشعوبيين والطائفيين والانفصالين وتنازلت عن هوية أكثريتها كرماً لخواطرهم؟ أم هي المعارضة التي تَعاقب على قيادتها أشخاص لا علاقة لهم بالثورة من قريب أو بعيد إلى أن وصلت ليمثلها رجالات النظام الأوفياء ومبخروه ومروجو سياساته وعبدة رموزه من رياض نعسان آغا إلى يحيى العريضي إلى رياض حجاب إلى هند قبوات إلى جهاد مقدسي إلى سميرة المسالمة وسواهم؟
سألت الدكتور برهان غليون، أمس، عندما اتصل بي ليلاً ليشرح مقصده مما كتبه: قل ما هي الخطة (ب) لدى المعارضة التي تدافع عنها في حال فشل جنيف، وأنت تعرف أنه سيفشل، غير زيارات الدول وشرح المأساة السورية التي لا تحتاج أصلاً إلى شرح، والتي يعرفها العالم ولا يريد التعاطف مع ضحاياها، ويستمتع بمتابعته لكل القتل والقصف والتدمير على الهواء مباشرة من دون أن يحرّك شيئاً، باستثناء عضلات فمه لإطلاق بعد التصريحات الباردة والمكررة؟ فأجابني لكن مشكلة الدكتور برهان أنه يتكلم بلسانين: واحد ينتقد فيه سراً، وآخر يجامل فيه ويسترضي الخواطر علناً!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.