لقد سُحبت الأرض من تحت أقدامنا، وأُطبقت السماء على رؤوسنا، وأصبحنا أرقاماً على عدادات شاشات التلفزة، ثم امتنعت عن ذكرنا حتى كأرقام، فأصبحنا متطرفين إرهابيين ولاجئين غارقين في قاع البحر ومجتمعات عربية تلفظنا مع عوادم مشكلاتها المتجذرة أصلاً، ودخلاء على مجتمعات غربية لا تشبهنا ولا نشبهها.
حسناً سأدخل إلى صلب الموضوع بسرعة، ودون إطالة، مستذكراً تصريحات هيلاري كلينتون بأن "أيام الأسد باتت معدودة"، رددتها محفزةً الانفجار السوري العظيم الذي جعل من الشعب السوري شظايا متناثرةً في جميع أصقاع الأرض، في أوروبا من شمالها إلى جنوبها، وتركيا ولبنان والأردن، ومصر والسودان، ودول الخليج العربي، ووصلت شظايانا إلى الأميركيتين شمالهما وجنوبهما، وإن بحثنا قليلاً فقد نجد سورياً سارحاً في القطب الشمالي أو الجنوبي، في حين أن الأسد، موضوع تصريح السيدة كلينتون، قابعٌ في دمشق، ويستقدم حثالات الأرض لحمايته وحماية نظامه.
لا بأس لقد "شربنا المقلب" وفهمنا درساً من العيار الثقيل في قذارة سياسيات الدول ومصالحها، ولكن لنحاول أن نرمي حجراً في بحيرة الإنسانية الراكدة والمعدومة في قلوب صناع القرار، بإيجاد قطعة أرض في هذا العالم الكبير تحتوي على فندق نتكفل نحن بتكاليفه وتكاليف طعامنا وشرابنا طيلة مدة إقامتنا.
ولكن تبقى النقطة الأهم بأننا نستطيع الوصول إلى هذا الفندق دون فيزا أو مساءلات أمنية أو طلبات استرحام نقدمها في مطارات العالم الحديث الإنساني ظاهراً والعنصري باطناً، فكل ما نريده اليوم هو اللقاء، لقاء يجمع شتاتنا لمدة أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر مع عائلاتنا وأحبائنا، ثم يعود كل من حيث أتى.
ما سيجري على مساحة الأرض تلك قصص اجتماعية فقط: احتفال بخطوبة، وأعراس، ومناسبات عزاء.. ولربما احتفالية صغيرة بطهور ابن أحدهم أو ولادة إحداهن… بعبارة أخرى حياة عادية لناس اعتياديين كل ما أرادوه هو اللقاء.
فالسوري اليوم ممنوع عليه اللقاء، فنشامى الأردن أغلقوا الأبواب وأوصدوها في وجوهنا بألف مفتاح ومفتاح، ومطار الشهيد رفيق الحريري ترفرف عليه رايات إيران الخمينية، الطيب أردوغان باع فكرة المهاجرين والأنصار واشترى لشعبه حرية الدخول إلى الاتحاد الأوروبي مقابل تكوين مكسر أردوغاني أوروبي بحري في صد موجات اللاجئين، في حين أن مصر قد قُلبت الطاولة فيها على السوريين مع قلب السيسي الطاولة على مرسي، ودول الخليج أسوارها عالية وغير صالحة للحياة بالنسبة للسوريين، بسبب تكاليف الحياة المرتفعة، حسب تصريح سابق لنائب كويتي في مجلس الأمة.
ما من مواطن عربي التقيت به إلا ويقول لنا لقد اكتفينا، لدينا أكثر من مليون سوري، وكأن المعايير الإنسانية تقاس بالأرقام والقدرات الاستيعابية لتلك البلدان.
حسناً لا بأس في كل ذلك، فتلك سياسات دولكم وأجنداتكم وأمنكم القومي ومشاريع دولكم السياسية أو القومية أو حتى العنصرية، سقت إليكم فكرتي الهزلية بقطعة أرض وفندق كحل مبدئي.
إليكم حلاً آخر وهو أن تمتنعوا عرباً وأوروبيين وآسيويين وأفارقة في كونكم تابعين في قطيع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنهوا المشكلة من جذورها بقطع رأس الأفعى القابعة في وكرها المظلم بدمشق.
انفرط العقد الاجتماعي في سوريا، وأصبحت التصنيفات مبنية على معايير جديدة، معايير مختلفة كلياً عما كانت عليه في سابق عهدها، ذلك العهد الذي كانت فيه لين القلوب وطيبتها هي الأثر الدارج في سوريا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.