كفانا ندباً.. حلب تعجبها أفعال وليس كلاماً

فلنقم بعدم النسيان، ولنتذكر قواعد الإحساس، ونقلع من على أعيننا غمامة العمى، ونبعد عنا ضلالة الجهل، فلنتذكر احترام مشاعر الأحياء المنكوبين وتقدير وتجليل الشهداء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/04 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/04 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش

ما إن تحصل أي حرب أو دمار، نجد اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بتداول الخبر ومشاركته من قبل الجماهير بصوره المحزنة والمثيرة للألم.

لماذا نفعل بأنفسنا هكذا؟ ونقوم بنشر صور محزنة ومتعبة للنفس الإنسانية،
أريد حقاً أن أسمع أو أرى إجابة مقنعة لهذا الفعل.
ما هي الإفادة من القيام بنشر صور أطفال مغتسلة بدمع طاهر، وأمهات أصبحن أشلاء، ورجال يبكون ودمعهم ليس برخيص

حلب الآن المدينة السورية تحترق بنيران الظلم، لكن هل ننجيها من هلاكها بنشر الألم؟!
هل نكلم ناسها ونواسيهم هكذا؟!
كفانا ندب..
كفانا كلام نحن العرب..
كفانا تراجع وانسحاب..
نقوم بالضحك على ضمائرنا وإقناعها أن ما نفعله يمكن أن يساهم في المساعدة من خلال نشر صور القتل وفيديوهات التعذيب والدمار.
لكن نسينا أن نسأل أنفسنا، ما هو شعور من يرى بيته وأهله مدمرين ومقتولين؟
هل سيشعر بأننا نساعده؟ أم نشفق عليه؟ أم نزيد ألمه وحزنه ونعيد رسمه من جديد بكلمات تحيطه بألم وبؤس أكبر من الذي يحتويه؟!

حلب أكبر من الصور هذه وألمها وحزنها لا يرضيها ما نفعله نحن الآن
لكن ما الحل.. هل نسكت ونعيش الصمت؟
ونخضع للاستسلام؟!
لا، وكيف تنام ضمائرنا؟
وكيف نستطيع العيش؟
أقوى الأفعال هي نداء الله جهراً وعلانيةً..
نداؤه ليلاً ونهاراً..
فجراً وعشيةً..

هذا أصح وأنفع؛ أن نتوسل إلى الله سائلين إياه الرحمة..
هذا خير من الندب، ولننسَ ما صنعه الغرب..
ونتوسل إليه في صلاتنا خيراً من حالتنا وتعبيرات الوجوه على صفحاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي.

كفانا ندب…
تسعى القنوات الإخبارية دائماً لإيصال الخبر بصوره، وفيديوهات تنص على وجوده حقاً، فيتعرض المشاهد لرؤية ما عليه أن يرى وأولاً وآخراً هو من عرّض نفسه لهذه القناة التي تبث أخباراً من المتوقع أن يكون فحواها محتوياً على صور قتل ودمار.

لكن ماذا عن مواقع التواصل الاجتماعي، التي تجبر وتجعل المشاهد يرى غصباً عنه صوراً أو تعليقات ضرها أكبر من نفعها وفائدتها، ومن يقوم بتحميلها ومشاركتها هم ناس لا يدركون مدى الأذى الذي يقومون بتسببه لمن يرى هذه الصور.

من المؤسف جداً أن هذه المواقع يوجد عليها الآلاف من الأطفال والشباب وكبار السن، وجميعهم يتعرضون لخطر غير مدركين قسوته الآن.
فالطفل ذو العشر سنوات عندما يرى مشاهد وصور كتلك التي تملأ المواقع الآن، سوف يترعرع فيه العنف والقسوة.

وعندما يكبر نسأل أنفسنا لماذا تصرفه هكذا وبهذا الشكل؟!
في هذا الوقت لا يجب أن نلومه، بل يجب أن نلوم أنفسنا والجهل الذي اقتادنا إلى هذه الحال.
أما الشباب، فيتعرضون لأقسى أنواع تأنيب الضمير بينهم وبين أنفسهم، ولا يجدون حيلة لإرضاء نفسهم إلا وأن يفعلوا شيئاً، لكن للأسف يقومون بالاستمرار بنشر هذه الصور وكتابة تعليقات مؤلمة لهم ولمن حولهم، وعقلهم يمتص طاقة سلبية تحيطهم بسياج شائك.
أما عن كبار السن، فيفقدون الأمل في هذه الحياة ويزداد بؤسهم بؤساً.

نسينا جميعاً كم الألم الذي يشعر به مغتربو حلب، ذهب عن أدمغتنا معاناتهم الليلية قبل النوم محاولين تناسي ذكرياتهم هناك.
ونقوم نحن يومياً ولحظة بلحظة، بنشر صور تشعرهم بالحرقة من الداخل، وكأنهم مكبلين بأغلال الألم، لا يستطيعون فعل شيء بغربتهم هذه، هم في سجن بعيد عن الحرب، نشعرهم باليأس والعجز حتى يتساءلوا بينهم وبين أنفسهم، ما نفعنا نحن في هذه الحياة؟
نحيا هنا جسداً ونموت روحاً، أما عن العجز فهو أسوأ أنواع الألم وأصعبها. فما بال العجز الناتج عن بعد؟! بعد مكان وأرض ووطن.

أما عن سكان حلب الحاليين، فماذا عنهم عندما يرون صور إخوانهم أو أصدقائهم الشهداء؟ يشعرون ويعيشون القهر والذل.
نسينا نحن حرمة الجسد، ونسينا أننا بأفعالنا هذه لا نكرم شهداءنا بل نستخدمهم وسيلة من أجل الشفقة، نسينا أن إكرام الميت بدفنه. فما بال لو كان شهيداً، مغتسل وطاهر بدماء عفيفة.

فلنقم بعدم النسيان، ولنتذكر قواعد الإحساس، ونقلع من على أعيننا غمامة العمى، ونبعد عنا ضلالة الجهل، فلنتذكر احترام مشاعر الأحياء المنكوبين وتقدير وتجليل الشهداء.
فالأحياء هم الباقون وهم شعاع الأمل الباقي بعد الشهداء، فلندفعهم إلى الأمام ونزودهم بطاقة الأمل والسير على خطى الحق.
فلنبعدهم عن الحزن والاستسلام بأن نسأل الله مساندتهم وتثبيتهم في مصابهم هذا، فلنبتعد نحن أيضاً عن أفعالنا التي تزود جراحهم.

أما عن تقليد الغرب في مواساة أحزاننا، فهلا ابتعدنا عنه واجتنبناه. أستغرب حقاً عندما أرى شباب اليوم يواسونك يا حلب بجملة (pray for Aleppo)، أترانا نسينا شعراء العرب عندما كتبوا فيكِ قصائد الشوق والحب والإجلال، نسينا نزار عندما تغنى بك. فهل نرضى بأن يكون رثاؤك بهذا الشكل، هل نرضى أن نواسي بلداً عربياً بجملة غربية.

نواسيك جهراً وعلانية بقلب طاهر ولسان صادق، هذا هو نداؤك لنا..
وعلينا أن نلبيه باللجوء إلى مالك الأرض، ونردد قوله تعالى "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون".
نسأله ونردد الدعاء لك، حتى يأمر الله تعالى بأمره العادل ويحميك من كل شر وأذى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد