إلى المنهزمين في الثورة.. لا تكفروا!.. آمنوا بأنفسِكم

معركة الجيش في مصر هي معركة كسر إرادة الناس وإفقادهم ثقتهم في أنفسهم؛ حتى يُكمل بيع البلاد بعد أن باع الجزيرتين!! فإن كنا أسرى عند الجيش فلنستجِب لقهره وانحطاط الأخلاق والقيم التي يعمل على ترويجها، وإن كنا ثواراً أحراراً فلنلقِّن الذئابَ العاوية الدرس تلو الدرس حتى يفهموه، فهو لن يأسرك ويسرق سلطتك وثروتك وأرضك إلا عندما تكفر أنت بذاتك ونفسك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/02 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/02 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

راقبتُ ثورة 25 يناير 2011 منذ يومها الأول، وما زِلت مُصراً على أن الجيش في مصر احتواها في أكثر من مرة نتيجة اضطرار بالغ؛ ففي يوم 11 فبراير/شباط كان هناك ملايين من المصريين يسيلون في الشوارع، لا يُسيطر عليهم أحد، وقتها امتص الجيش صفعة الشعب في سكون، ولم يؤيد الثورة أو يحمِها، بل في كل المراحل منذ 2011 وحتى الآن يمكر بها ويكيد لها.

فلقد أجبرت الجماهير التي قطعت يد الشرطة في 28 يناير الجيشَ على التضحية برأس النظام في 11 فبراير، مقابل أن تبقى السلطة كاملة (تنفيذية – تشريعية – قضائية) في يد نفس النظام!! إلا أن الجيش استفاد من محنته (الثورة)، بأن تحولت في جانبٍ منها لمنحة (إزاحة مشروع التوريث لجمال مبارك)، وهذه طبيعة الحياة أن في قمة الخطر تكون المحنة، وبتجاوزها واحتوائها والسيطرة عليها تكون قمة المنحة والانتصار والفوز، ولكن هل أحكم الجيش منذ اليوم الأول سيطرته على الثورة؟

الجيش لم يكن يرغب بالخسارة جرّاء هذا البركان المتصاعد، فلم يُساند الثورة ولم يُمررها، ولم يسمح بها، ولكنه استكان لها وذل وركب موجتها؛ فقد دُهش بكونها ثورة شعبية حقيقية كنست في أيامها الأولى ثلاث مؤسسات عتيدة (الشرطة والحزب الوطني، ومن ثم مجلس الشعب) تحت شعارها المُفزع "الشعب يريد إسقاط النظام"، فأن ينتهي فصلُها الأول بشعار أخف وطأة "ارحل" لهو طوق النجاة للذئاب والثعالب الرابضة في المؤسسة العسكرية.

ربما بالفعل كان لدى الجيش في مصر والحكومة الأميركية سيناريوهات للتعامل مع أي انتفاضة أو هبّة أو احتجاجات تُطالب بالتغيير، حتى إن البدائل كانت عديدة ومتشابهة (مبارك – جمال مبارك – عمر سليمان – أحمد شفيق – محمد البرادعي)، ولكن الثورة جعلت الخيارات حرة ومفتوحة (حازم أبو إسماعيل – خيرت الشاطر – محمد مرسي – حمدين صباحي – عبد المنعم أبو الفتوح – باسم خفاجي – أيمن نور – …)، لدرجة أن حازم أبو إسماعيل في مارس/آذار 2012 كان شبه محسوم أنه رئيس مصر القادم حتى تمت إزاحته.

ولم تقف ألاعيب الجيش عند حد إزاحة بعض مرشحي الرئاسة من الانتخابات في 2012، بل بدأت قبل ذلك بكثير، فمنذ إسقاط مبارك والجيش بدأ يوهم الإسلاميين بأنهم شريك، ثم قام باستفتاء، فاختار الشعب (نعم)، فروّج هو لـ"لا" (الدستور أولاً)، ثم قرر أن الحل ليس نعم أو لا، بل المبادئ فوق الدستورية، ثم تتابعت الأحداث من قتلٍ واعتقال وتعذيب وكشوف عذرية، حتى وصلنا لأحداث ماسبيرو (9 أكتوبر/تشرين الأول 2011)، ثم بعدها بأيام (19 أكتوبر) يُعلن الجيش منفرداً في سفور وغرور من عند نفسه مد فترة حكمه حتى منتصف 2013، ويكأنه يُسدل الستار على الثورة.

بيد أن من نزلوا في 27 أكتوبر، ثم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 رفضوا هذه العنجهية والصلف، فتظاهروا تحت عنوان (جمعة المطلب الوحيد – تسليم السلطة قبل 30 أبريل/نيسان 2012)، وكانت أحداث محمد محمود، وتقاطرت الدماء الطاهرة وحيا الأمل، وأُجبر الجيش على أن يُسلّم السلطة لرئيس منتخب في 30 يونيو/حزيران، ولكن هل سيكون الرئيس المنتخب مدنياً أم عسكرياً؟ كان هذا السؤال الخطير محور صراع رهيب بدأ من ديسمبر/كانون الأول 2011 لنصل يونيو 2012 وقد خضع الجيش راضخاً مُكرهاً ليرضى بالنتيجة مؤقتاً التي تقول إن الرئيس المنتخب هو المدني الإسلامي الإخواني محمد مرسي.

كان هذا جُزءاً من حكاية الثورة، وكون الشعب كتب سطورها من غير وعي كامل، فخرجنا يوم خرجنا في 25 يناير أو 28 يناير وما بعدها دون أفق أو إدراك لطبيعة السلطة ونظام الحكم في مصر، فهذا من لطف الله بنا: (وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ).

أما اليوم فقد وصلنا لفصلٍ جديد بعد أن أحاط العسكر بالثورة؛ وها هم يُحاصرونها يُريدونها أن تُعلن استسلامها وتموت في صمت! ولكن ما زالت هناك حرية تنبض وكرامة تتدفق، فبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من النضال والمقاومة من قِبل المؤيدين للمؤسسات الشرعية المنتخبة، ها قد انضم لهم وافدون جُدد من بعض شباب الثورة الذين يرفضون أن تموت ثورتهم وتموت مصر، يُريدون أن يصونوا الأرض التي باعها الجيش، والعرض الذي مرغه في الوحل؛ فخرجوا جميعاً في تظاهرات فاعلة ومؤثرة في 15 و25 أبريل 2016؛ ليرفضوا بيع مصر والحكم العسكري والانقلاب على ثورة 25 يناير.

في المقابل، خرج بعض مؤيدي الحكم العسكري في مصر الذين أتاحت لهم المخابرات العامة والحربية وأمن الدولة الظهور والرقص على أنغام "فرتكة فرتكة" وغيرها يحتفلون بما سموه تحرير سيناء، فأمّنتهم الشرطة، وتداول الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورهم ومشاهد لهم تُظهر كم الانحدار والبؤس الذي هم فيه، فيحملون علم المملكة العربية السعودية في قلب القاهرة لا لشهادة التوحيد التي تُزينه، ولكن للتأكيد على أن (الجزر دي سعودية رغم أنف المصراوية)، هذا فضلاً عن البيادة التي ألجمت رؤوس بعضهم، إلا أن ما أريد أن أؤكده هو أن كل هذه المشاهد المنحطة لا تعبر بحال عن الشعب المصري في مجموعه العام، ولا عن توجهاته وطموحاته وأحلامه وأفكاره ومشاعره.

وإن ظل كل شخص في الأغلبية الكاسحة من الشعب يردد منفرداً (شعب **** ما يستاهلش)؛ سنكون قد خدعنا أنفسنا بأن صدّقنا أن شعب المخابرات والجيش والأجهزة الأمنية الوهمي المصنوع هو نحن!!

إن الرفض الشعبي الهائل للمشاهد المبتذلة التي صنعها الجيش في هذا اليوم؛ كي يُعطي انطباعاً سيئاً ووهمياً عن الشعب، هو الدليل على أن هذه المشاهد خارج سياق الوعي الجمعي المصري، وليست إلا دعاية مضادة تستهدف كسر الإرادة وإحباط الشباب وتعميق الشعور بالاغتراب عن جموع الناس، والتي وإن كانت صامتة فهي غاضبة وليست راضية.

فمعركة الجيش في مصر هي معركة كسر إرادة الناس وإفقادهم ثقتهم في أنفسهم؛ حتى يُكمل بيع البلاد بعد أن باع الجزيرتين!! فإن كنا أسرى عند الجيش فلنستجِب لقهره وانحطاط الأخلاق والقيم التي يعمل على ترويجها، وإن كنا ثواراً أحراراً فلنلقِّن الذئابَ العاوية الدرس تلو الدرس حتى يفهموه، فهو لن يأسرك ويسرق سلطتك وثروتك وأرضك إلا عندما تكفر أنت بذاتك ونفسك.

وقد قرأت لشاب مصري تعليقاً على هذا المشهد المزري يقول: "اللهم لا تؤاخذنا بما فعل المواطنون الشرفاء منا، الوقت ده يحسسك أد إيه الأنبياء تعبوا وهمّا بيقنعوا الناس بعبادة الله بدل الحجارة!"؛ ليبقى سؤال موجع لكل واحد منا: ماذا فعلت أنت؟ وما هو شكل وكيفية ومقدار تعبك ومجهودك لتغيير (الواقع المنكر) الذي نعيش فيه ويعيش فينا؟ مَن آخر شخص أقنعته؟ وهل أنت شخصياً مقتنع؟ هل أنت مؤمن بذاتك؟ وهل أنا مؤمن؟ هل أنتم مؤمنون؟

لا بأس: لا تكفروا! .. آمنوا بأنفسكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد