هذا ليس خطابًا ثوريًا أو حُلمًا خياليًا، ولكنه مجرد استكشاف نحو الواقع الذي تقود إليه الأحداث المتلاحقة لمن يرى الشمس جلية في كبد السماء.
بداية لا أفهم سر العقيدة المترسخة لدى البعض بأن الثورات تلتصق بالميادين وكثرة الحشد، فالأعداد ولعبة الأرقام مسألة خادعة تخضع لأمور عديدة، وهي بالنهاية مجرد لقطة في صورة، أما الميادين فهي أماكن تجمع الأقدام ولكنها لا تجمع العقول والأفكار، مثلما حدث من قبل في خطيئة المنصات بميدان التحرير.
قوة الثورات الحقيقية في قوة أفكارها وقوة عقيدة من يؤمنون بتلك الأفكار، فيجعلون من أصواتهم قنابل مدوية تنسف الفساد، ومن صدورهم دروعا واقية تصد قمع الاستبداد.
لذلك عندما نرى مشهد رقص على أغنية "فرتكة" في ذكرى النصر لأبطال ضحوا بدمائهم من أجل الأرض، ومشهد رفع أعلام دولة أخرى، وفتح الميادين للمؤيدين – بالمخالفة للقانون – الذي يستخدم لمنع الغاضبين، وانتشار المرتزقة الملقبين بالمواطنين الشرفاء لمساعدة الأمن في القضاء الفوري على محاولات التعبير السلمي عن الرأي، ندرك أن فكرة الوصول إلى ميدان أو فكرة جمع أكبر عدد للتظاهر السلمي قد أصبحت فكرة عبثية تافهة لن تسهم في إنجاح فكرة أو إسقاطها، فتلك المشاهد مثيرة للضحك وللشفقة أيضا، بما وصلت إليه عقول هؤلاء.
يعكس ذلك بوضوح، صمود تلك الفئة القليلة في العدد والضخمة في المبدأ والإرادة، أمام كل محاولات القمع المستبد بالحل الأمني وليس السياسي في ردع مجموعة من الشباب، يوجد أمثالهم بالملايين في البيوت وعلى المقاهي وأماكن عملهم، لم يغامروا بفكرة النزول في تلك الأجواء تجنبا للاعتقال أو الإهانة أو تكالب الجهلاء، والذي امتد إليهم حيثما كانوا.
والحقيقة أن الطريق إلى ميدان التحرير مفتوح من جميع الجهات وإغلاق محطة مترو السادات ما هو إلا خوف شديد؛ ذلك الخوف الذي لم يجعل قوات الأمن تفتش عن الأسلحة وإنما عن محتويات الهواتف المحمولة وصفحات الفيسبوك، والوصول إلى ميدان التحرير لا يحتاج إلى أقدام تزحف نحوه، بل يحتاج إلى عقول تحتشد على هدف ورؤية واضحة، تجتمع حولها الملايين، يحمل كل منهم فكرة تملأ ساحة الميدان.
الخطوة الأولى:
نحو الميدان تكمن في معرفة أن الطريق المؤدي إليه فيما سبق كان خاطئا لم يؤد إلى الهدف المطلوب، لذلك فثورة يناير 2011 مازالت مستمرة لم تنته بعد ولم تأت بما نادت به.
أما الخطوة الثانية:
فهي المنهج الثوري الذي يقود العقول والأفكار نحو طريق واضح لا تحفه رصاصات الغدر ولا التخوين ولا الاستفراد بالرأي دون رأي أو توجه دون توجه.
الخطوة الثالثة:
وإن كانت مريرة فلا سبيل للوصول نحو الميدان إلا بها وهي المصالحة الشعبية بين أبناء الميدان فالجميع قد خسر ودفع الثمن غاليا، ولن ينفتح الميدان إلا بتشابك الأيدي ووحدة الصف.
الخطوة الرابعة:
تقودها الثقة بأن الميدان موجود داخل كل من يطمح صوب الحرية والكرامة والعدالة وأنهم الأغلبية التي ستسحق كل من يقف في طريقها نحو دخول الميدان.
علينا أن نفهم جيدا أن الفكرة إرادة، والإرادة هدف، والهدف وإن غاب تحقيقه، فبالإرادة سيتحقق، والفكرة لن تموت وإن مات صاحبها، وإن أغلق خوفهم ميدانا، فإرادة الحرية تفتح للتحرير ميادين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.