اعتصموا داخل قبة البرلمان يطالبون بإنهاء المحاصصة، وقالوا: إنهم يتمردون على رؤساء الكتل لأنهم احتكروا القرار السياسي طوال السنوات الماضية!.
نبدأ من الفقرة الاخيرة، فالحق يقال أن رؤساء الكتل يحتكرون صناعة القرار السياسي والكل يعرف ذلك الأمر، لكن هل هذا يعفي النواب المعتصمين من المسؤولية؟!، لا، ونضع بعدها ( ألف لا )، لأنهم ساهموا في تكريس احتكار رؤساء الكتل لصناعة القرارات السياسية، وتثبيت الدعائم لنظام المحاصصة الطائفية، وهم بالأساس أذرع وأدوات لرؤساء الكتل في تمرير سياساتهم ، سواء من خلال التصويت أو اللجان البرلمانية، وكذلك من خلال الحوارات الإعلامية والتصريحات للصحافة، الحروب الإعلامية التي أرهقت وإستنزفت الشارع العراقي، بل لولاهم لما تمكن قادة الكتل من احتكار صناعة القرار السياسي.
إما نظام المحاصصة الذي طالبوا بإلغاءه، فهم بالأساس جاءوا من خلاله، هم شركاء رئيسين في تكريس المحاصصة وتثقيف الناس بأهميتها لحماية حقوق الأغلبية أو ضمان حقوق الأقليات، كما يدعون طبعا. هذا الكم من الاستخفاف بعقول الناس وتضليل الرأي العام، والتلاعب بمشاعر المواطنين، جعلهم عبئا كبيرًا على الشعب العراقي. هذا الكلام لا يعني ان جانب الرئاسات الثلاث وقادة الكتل هم فرق ملائكية، بل هم أخوة إبليس بالرضاعة أيضًا، وإن كان النواب المعتصمون يصرون على أنهم يحاربون المحاصصة، أذن فعليهم البدء بأنفسهم والانسحاب من اللعبة السياسية البرلمانية ويخرجون عن قواعد المحاصصة الطائفية، ويغادرون مواقع المسؤولية الى الجمهور العراقي ويشكلوا حزبا سياسيا أو تياراً عابراً للطائفية، يتبنون فيه مواقف جديدة تعبر عن تطلعات الشارع العراقي، فهل هم أهل لذلك؟!!
( أنا شخصيا أجزم بلا)!!.
ليس من المنطق والحكمة أن نطالب الفاسد والطائفي بمحاربة بضاعته!، فهل يصدق الفاسد عندما يقول: بأنه سيحارب الفساد؟! أو يصدق الطائفي عندما يقول: بأنه سيحارب الطائفية؟ هل سيناقض نفسه مثلا؟ أم يحاربها؟!!.
لا ننكر بأن المواصفات المطلوبة في رئيس حكومة في ظل البيئة السياسية والتركيبة الحالية المعقدة ينبغي أن تكون إستثنائية جداً إن لم نقل فريدة جداً، قوية جداً، لتمكنه على تبني مشروع إصلاحي حقيقي، بلغة اخرى ودون أي مبالغة، حاجة العراق اليوم لرئيس على شاكلة "سوبرمان" ليقود البلاد في ظل الأزمات التي تعصف بها، يميناً وشمالا. العبادي ليس فقط لا يتمتع بالقوة والشخصية المناسبة لتحقيق ذلك، في ظل الخصوصية التي يتميز بها المشهد السياسي العراقي من كافة أبعاده وجوانبه الداخلية والخارجية، بل الرجل أضعف من أن يكون رئيساً لأي حكومة عراقية حتى في وقت تكون فيه الأزمات السياسية والتحديات الدولية أقل من التي نعيشها في الوقت الراهن.
من الذي سيشهر سيف الحق ليحارب الفساد!، فالجميع قد تورط في هذا المستنقع الموبوء، فالفساد يعتبر من أخطر وأكبر الملفات السياسية التي أسستها الولايات المتحدة عقب إحتلال العراق، وعملت إيران على تكريسها، لإخضاع القوى السياسية المتورطة بالفساد لأجندات أمريكا وإيران، فالسياسي الفاسد سيدافع عن بقاءه بالسلطة، إما للاستمرار في تحقيق المكاسب بطرق غير مشروعه أو للحصانة من المحاسبة القضائية، أو لكلاهما معاً. بالتالي انتقلت عدوى استخدام الفساد في السياسة من المستوى الدولي ضد العرق، إلى المستوى المحلي بين الأطراف السياسية العراقية.
لا يمكن بأي حال من الأحوال الركون إلى القوى السياسية الحالية في إيجاد مخرج من الأزمات التي تعصف بالبلاد، وأن ما يجري من مسرحية سياسية قبيحة، إنما ستنتهي عندما تتفق الأطراف السياسية الحالية على التهدئة والعودة لممارسة المحاصصة الطائفية السياسية، ولاشك أن للتدخل الخارجي سيكون دوراً في تحقيق ذلك.
الحل النهائي لا يمكن في حكومة العبادي، ولا توجد بارقة أمل بالنواب المعتصمين، إنما الحل الأمثل يكون في حل الحكومة والبرلمان معاً، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني مؤقتة يرأسها عسكري عراقي لا ينتمي لحزب سياسي وغير محسوب على أي جهة سياسية أو دينية ويكون معروف عنه العدل والنزاهة، وتتولى الأمم المتحدة ومجلس الأمن دعم الحكومة الجديدة والتهيئة لمرحلة سياسية قادمة، تتولى فيها مهمة الأشراف المباشر على إنتخابات جديدة، ويتم فيما بعد النظر في شكل النظام السياسي والدستور، وكذلك تفعيل محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة المتورطين بجرائم ضد العراقيين وملاحقة الفاسدين وإسترداد أموال الشعب المسروقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.