تجدد القصف، الجمعة 29 أبريل/نيسان 2016، على مدينة حلب شمال سوريا، حيث قُتل أكثر من 20 مدنياً، فيما ينتظر سريان اتفاق أميركي روسي للتهدئة على جبهات أخرى في الساعات المقبلة، في الوقت الذي علقت فيه صلاة الجمعة بالمدينة لأول مرة منذ 1400 عام.
وقالت قناة الجزيرة إن مركزين طبيين آخرين في حلب استٌهدفا اليوم بصواريخ، ليرتفع إلى ثلاثة عدد المراكز التي خرجت عن الخدمة خلال يومين. وقال إن براميل متفجرة دمرت اليوم بالكامل المركز الطبي في حي بستان القصر.
وأصيب عدة أشخاص بجروح في غارة استهدفت مستوصفاً في منطقة المرجة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في حلب، بحسب الدفاع المدني.
ويأتي ذلك غداة مقتل العشرات في غارة استهدفت مستشفى ميدانياً في المدينة، حيث اعتبر أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون أنه "لا يمكن تبريرها".
وقال أحد سكان حي بستان القصر الشعبي إن "الأرض تهتز تحت أقدامنا" بعد غارات جديدة شنتها طائرات النظام الجمعة. وأضاف أن "الغارات لم تتوقف طوال الليل. لم يغمض لنا جفن".
ونعى سكان حلب الهدنة السارية منذ 27 فبراير/شباط 2016 برعاية موسكو وواشنطن، مع مقتل أكثر من 200 مدني إثر تجدد المعارك في المدينة منذ أكثر من أسبوع بين فصائل المعارضة التي تقصف مناطق سيطرة النظام بالمدفعية والقذائف الصاروخية، في حين تشن قوات النظام غارات جوية على أحياء المعارضة.
وارتفعت هذه الحصيلة، الجمعة، بمقتل 13 شخصاً في أحياء النظام، و11 في مناطق المعارضة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي تحدث عن إصابة العشرات بجروح.
وأشار مراسل الوكالة الفرنسية الى تدمير نصف المستوصف المستهدف وتناثر أدويته ومعداته في المكان. وصرح مدير المستوصف حسن الأحمد للوكالة "إنها مؤسسة لخدمة المدنيين، لا وجود لمسلحين هنا".
تعليق صلاة الجمعة
وعُلقت صلاة الجمعة اليوم، في مساجد حلب، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ دخول الإسلام المدينة قبل نحو 1400 سنة؛ للحفاظ على أرواح المسلمين من قصف القوات الروسية وقوات النظام السوري للمدينة.
شهود عيان من أبناء سوريا أكدوا عدم إقامة الصلاة في المدينة لأول مرة، استجابة لدعوة المجلس الشرعي في محافظة حلب حيث دعا المواطنين لتجنب المساجد حفاظاً على أرواحهم.
لأول مرة منذ أن دخلها الإسلام … لا صلاة جمعة في حلب .. مخافة القصف الجوي الروسي الأسدي الإيراني المدعوم أمريكياً …
— موسى العمر (@MousaAlomar) ٢٩ أبريل، ٢٠١٦
وكان "المجلس الشرعي في محافظة حلب" قد أوصى في بيان له الخميس 28 إبريل/ نيسان 2016، بتعليق صلاة الجمعة، وإقامة صلاة الظهر عوضاً عنها حفاظاً على أرواح المصلين، وذلك للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية.
وقال البيان "نظراً للحملة الدموية التي يشنها أعداء الإنسانية والدين على محافظة حلب متمثلة بقصف النظام السوري والروسي للتجمعات المدنية والأسواق والمشافي والمساجد والمدارس، بكافة الأسلحة والأوقات وبتأييد وإغراء غربي تام، ونظراً لخطر ذلك على المصلين المجتمعين في مكان وزمان واحد يطالب المجلس الشرعي القائمين على المساجد بتعليق فريضة صلاة الجمعة وإقامة صلاة الظهر عوضاً عنها".
وكثفت الطائرات الروسية وطائرات النظام الحربية من وتيرة استهدافها لأحياء حلب، خلال اليومين الماضين، والتي خلفت نحو 100 قتيل بينهم أطفال ونساء، ومئات الجرحى.
ووفق بيان مشترك لمجموعة من "الهيئات الشرعية" في حلب، فإن هذه هي المرة الأولى بتاريخ حلب التي تلغى فيها صلاة الجمعة.
الجميع يستخف بحياة المدنيين
إلى ذلك ندد المفوض الأعلى في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، الجمعة، "باستخفاف جميع الأطراف بحياة المدنيين" في سوريا، محذراً من انهيار الهدنة.
وصرح زيد بن رعد الحسين في بيان، أن "العنف يتصاعد بسرعة مهولة إلى مستويات شهدناها قبل الهدنة".
وندد بمقتل مدنيين في الأيام الأخيرة في حلب وحمص ودمشق وريفها وأدلب ودير الزور.
كما لفت إلى أن جميع ظواهر العنف تشكل "إثباتاً جلياً على استخفاف يثير القلق إزاء إحدى ركائز القانون الإنساني الدولي، أي واجب حماية المدنيين".
ودعا المفوض الأعلى، على غرار رئيس مجموعة العمل للمساعدة الإنسانية يان إيغيلاند الخميس، الأطراف إلى وقف العنف، وتجنب العودة إلى الحرب الشاملة.
قال إن "وقف الأعمال العدائية ومفاوضات السلام بين السوريين في جنيف هما الخياران الوحيدان المتاحان، وفي حال تم التخلي عنهما، فلا يسعني أن أتخيل الفظائع الإضافية التي قد تواجهها سوريا".
وندد المفوض الأعلى كذلك بالفشل "المستمر" و"المخزي" لمجلس الأمن في رفع ملف الوضع السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أن الدول النافذة أصبحت "متواطئة" في مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين.
طريقة أوباما تسببت في مقتل الآلاف
ويرى خبراء بحسب وكالة الأناضول أن الأزمة السورية وتحولها لمأساة إنسانية، وظهور تنظيم داعش، هو نتيجة خطأ مباشر نابع من سياسات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيال الشرق الأوسط من جديد.
وأكد رئيس مركز الشرق الأوسط في جامعة دنفر البروفسور "نادر هاشمي"، أنَّ طريقة تعاطي إدارة الرئيس أوباما مع الأزمة السورية كانت من أهم الأسباب التي أدت لمقتل مئات الآلاف في سوريا.
وشبه هاشمي سياسة أوباما حيال سوريا بسياسة سلفه من الحزب الديمقراطي بيل كلينتون، قبل 20 عاما، تجاه البوسنة والهرسك، قائلاً :"إن المبررات التي ساقتها إدارة كلينتون في السنوات الثلاث الأولى من الحرب في جنوب شرق أوروبا، ومع حدوث تطهير عرقي، تشبه مبررات الرئيس أوباما تجاه الأزمة السورية، وهي من قبيل أنَّ – حل هذه الأزمة لا يمكن أن تكون بواسطة قوة خارجية – و – ليس لأمريكا أي مصلحة في التدخل العسكري – ".
ومن جانب آخر أكد الخبير السياسي في معهد الشرق الأوسط (مركزه واشنطن) مرهف جويجاتي، إلى وجود فشل واضح في سياسة أوباما تجاه الملف السوري، قائلاً "إن سياسة أوباما في حل الأزمة السورية، إن كان هنالك في الأصل سياسة في هذا الاتجاه، فهي فاشلة".
وأردف جويجاتي "كان بإمكان واشنطن الإطاحة بنظام الأسد، قبل أن يعلن أوباما أن الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وقبل استخدام هذه الأسلحة من قبل النظام عام 2013".
وأوضح جويجاتي "إنَّ الإطاحة بنظام الأسد حينها كان لا يستوجب تدخلا عسكريا أمريكيا، بل دعما لفصائل المعارضة السورية بالسلاح، وحينها لم يكن ثمة وجود لجبهة النصرة ولا داعش، ولم يكن هناك تدخل روسي وإيراني بالمعنى العسكري، كما أنَّ حزب الله لم يكن موجودا حينها على الأراضي السورية".
أميركا وروسيا تغضّان الطرف عن حلب
في الوقت الذي تستمر فيه علميات القصف المتواصل على حلب، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على وقف القتال ليل الجمعة السبت في الغوطة الشرقية القريبة من دمشق وفي ريف اللاذقية شمالاً، فيما تجاهل الطرفان ما يقع في حلب.
مصدر أمني في دمشق قال للوكالة الفرنسية إن تجميد القتال يأتي "بناءً على طلب الأميركيين والروس الذين التقوا في جنيف لتهدئة الوضع في دمشق واللاذقية".
ونقلت وكالة أنباء "ريا نوفوستي" الروسية عن مصدر دبلوماسي قوله إن موسكو وواشنطن اللتين تترأسان مجموعة الدعم الدولية لسوريا هما "الضامنتان لتطبيق نظام وقف العمليات" من قبل كل الأطراف.
وانتقد إعلاميون الصمت الغربي عن عمليات القتل التي تتعرض لها مدينة حلب.
" الدول العظمى " أثبتت فعلاً أنها عظيمة في الإجرام والشر والتآمر على الشعوب التي لاحول ولا قوة لها . #حلب_تحترق
— وسيلة عولمي (@wassilaoulmi) ٢٩ أبريل، ٢٠١٦
#حلب_تحترق لأجل أن يبقى الطاغية بشار الأسد متربعا على عرش من دماء أحرار سوريا بمساعدة الغرب والعرب
— سامي كمال الدين (@samykamaleldeen) ٢٩ أبريل، ٢٠١٦
الفضاء الالكتروني ينتفض
وعلى مدار اليومين السابقين ونتيجة للقصف المتواصل على المدينة السورية الذي خلّف عشرات القتلى، تضامن رواد الشبكات الاجتماعية، مع حلب من خلال إطلاق عدد من الهاشتاغات، مثل: #حلب_تحترق، و#حلب_تباد، وغيرهما، وقد حققت هذه الوسوم مراكز متقدمة على توتير في عدد من البلدان العربية.
كما عبّر رواد الشبكات الاجتماعية عن استياهم مما يحدث في حلب، من خلال تغيير الصور الشخصية الخاصة بهم على حسابات فيسبوك وتويتر، ووضع صورة ملونة باللون الأحمر كناية عن الدم الذي أريق في حلب.
كما انتشرت مئات الصور وعشرات المقاطع المصورة، لما يحدث في المدينة التي كشفت عن مناظر مروّعة لمنازل مهدمة وصور دماء في الشوارع وجثث تحت الأنقاض جراء القصف.
وتعيش سوريا منذ 5 سنوات حرباً أهلية خلقت حتى الآن نحو ربع مليون قتيل وأكثر من 3 ملايين مُصاب، وتهجير نصف الشعب السوري في الداخل والخارج.