دمشق الأموية تُحرق كل يوم

وصلت جرأة هؤلاء الغرباء المملوئين بالكراهية والاستحواذ السلطوي، في بعض المناطق إلى حد طرد سكانٍ أصليين من منازلهم في أحياء باتت علوية الهوية، لضمان صفاء مذهبي في هذه الأحياء، ما جعل منها مستوطنات كبيرة لأبناء الطائفة

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/27 الساعة 02:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/27 الساعة 02:53 بتوقيت غرينتش

إلى ساعة متأخرة من الليلة الماضية، كانت النيران تتجدد لتلتهم ما تبقى من سوق (العصرونية) العريق وسط العاصمة دمشق؛ الحريق الذي دبر باليل، واندلع فجر السبت، التهم حوالي 100 محل تجاري لأبناء دمشق وأبرز تجارها، وقبل التجارة والأموال والأرزاق، كانت النيران تأكل "ولا تهضم" واحداً من أهم المعالم الأثرية والحضارية والتراثية في دمشق (الأموية) التي أرّقت -هذه الصفة- غزاتها منذ حوالي 1400 عام وحتى اليوم، ولم يكن هذا الحريق أولى المحاولات، ولا أعتقد أن يكون آخرها لطمس الهوية وإنكار هذه الصفة.

منذ اندلاع الثورة السورية قبل خمسة أعوام، ونظراً لتوسع المد الإيراني داخل دمشق، بعد استجداء بشار الأسد الإيرانيين للدفاع عن نظامه الطائفي الصبغة، كانت نوايا إيران واضحة باحتلال أبرز معالم العاصمة ولا سيما أسواقها وأحيائها القديمة التي دائماً ما حضنتها أماكن أثرية تدل على الهوية الأموية للعاصمة، وذلك عن طريق إغراء أصحاب تلك المحال والمنازل بالأموال لبيعها والتنازل عنها، ومعظم تلك المحاولات باءت بالفشل، كما حدث ذلك مع تجار سوق (العصرونية) الذين دفعوا ثمن رفضهم هذا، حريقاً نال من رزقهم وأموالهم، لكنه لم ينل من كرامتهم وإخلاصهم لتاريخهم.
وصول الإيرانيين إلى أسواق دمشق بحجة زيارة المقامات المقدسة -التي أوجدوها لأنفسهم داخلها- والتجارة، لم يكن وليد السنوات الخمس الماضية، بل كان لحافظ الأسد الباع الأطول في السماح لهؤلاء بالتمدد داخل دمشق وأخذ الأريحية في ممارسة طقوس غريبة على الدمشقيين والسوريين عموماً، داخل المسجد الأموي ومحيطه المنطقة التي تضم أغلب الأسواق التاريخية العريقة، وزادت هذه الظواهر يوماً بعد يوم، حتى وصول العراقيين الشيعة إلى دمشق بعد احتلال العراق، وبدأوا دخول الأسواق من خلال "البسطات" التي ملأتها، ومن ثم استئجار المحال وشراؤها أحياناً، وذلك كله بإشراف مشروع إيراني اتضحت أهدافه فيما بعد.

ما كان من محاولات احتلال لدمشق لمحو ثقافتها وتاريخها من قبل الإيرانيين، وخاصة خلال فترة نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثانية، أي مع وصول الوريث إلى السلطة، سبقتها عمليات عبثٍ ممنهجة طالت دمشق بأسرها وحتى ريفها عند وصول حافظ الأسد إلى السلطة بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما أعطى الإذن لآلاف العلويين بالتمدد إلى دمشق والاستيطان فيها.

فمع بداية تسلم حافظ للأسد للسلطة مرفقاً بحلم البقاء الأبدي، الذي مهد له الأسد بنفسه من خلال تقوية نفوذ أبناء طائفته داخل الجيش والمخابرات، بدأت مرحلة من احتلال مناطق شاسعة من دمشق وبشكل ممنهج. في البداية مهّد دخول عائلات الضباط والمتطوعين الذين وصلوا دمشق وتسلموا مفاصل مهمة في قطع الجيش حول العاصمة والأمن داخلها، مهّد لاحتلال أحياء بكاملها من قبل المد العلوي الذي اجتاح العاصمة طلباً للتسلط على رقاب أبناء دمشق الذين يفوقهم مكانةً، ونسباً، وحتى ثراءً؛ ولم يقف الاحتلال العلوي على الأحياء وحسب، بل طال مناطق تجارية وصناعية وأماكن أخرى.
غيّر الاحتلال هوية العاصمة وطابعها (المخملي) و(بسطات) "جسر الرئيس"، والبرامكة وغيرها شواهد على ذلك، وبات العلوي يأخذ فرصة الدمشقي في شتى المجالات مدعوماً من أفرع الأمن.

وصلت جرأة هؤلاء الغرباء المملوئين بالكراهية والاستحواذ السلطوي، في بعض المناطق إلى حد طرد سكانٍ أصليين من منازلهم في أحياء باتت علوية الهوية، لضمان صفاء مذهبي في هذه الأحياء، ما جعل منها مستوطنات كبيرة لأبناء الطائفة، اقتطعت أرضها عنوةً على مرأى من أهلها، بطرق وأساليب لا تختلف كثيراً عن احتلال فلسطين من قبل اليهود ما بعد 48، فـ (المزة 86 ) و(ضاحية الأسد) و(عشر الورور) و(جبل الورد)، باتت في نظر المواطن الدمشقي، لا تختلف كثيراً عن مستوطنات "نتساريم" و"وكريات شمونا" و"نهاريا" الإسرائيلية في فلسطين، نظراً لهمجية وعنجهية أبنائها وفوقيتهم . وما أثبت على ذلك ثورة الشعب على أبناء طائفتهم، والتي فيها كشر أبناء تلك الأحياء عن أنيابهم منذ بدايتها، وجعلوا من مناطقهم بؤراً للتشبيح والقتل بحق أبناء السنّة في الأحياء الثائرة من دمشق وريفها وحتى غير الثائرة، مع زيادة توهج الضوء الأخضر المعطى من قبل أفرع الأمن لأبناء تلك الأحياء، لوأد ثورة الشعب بشتى الطرق القذرة.

ولن ينسى الدمشقيون أيضاً، كيف دخلت الدبابات إلى قلب الجامع الأموي في يناير/ كانون الثاني 1965 خلال اعتصام الآلاف من أبناء دمشق وتجارها في باحة المسجد، والذي دعا إليه الأب الروحي للدمشقيين -في ذلك الوقت- الشيخ (حسن حبنكة)، والذي راح ضحيته العشرات من المعتصمين، ودُمرت خلال الاقتحام أجزاءٌ كبيرة من المسجد، بأوامر من ضباط طائفيين جعلوا من أنفسهم قادة وأمراء في الجيش بترفيع أنفسهم بأنفسهم بعد انقلاب 63 ومنهم صلاح جديد وحافظ الأسد ومحمد عمران، أبناء الطائفة العلوية.

كل ذلك وغيره الكثير، يجعل من دمشق تُحرق كل يوم، وسيبقى الطارئون والغزاة في سعي دائم، لسلخها عن أمويتها والإمعان في حرقها بل وصهرها إن استطاعوا، لكن عبثاً.. "فكم صُهرت سبائك الذهب الغالي، فما احترقا"..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد