سيدنا المسيح.. وأنا

تقدم حالة "سيدنا المسيح" قراءة لقصة تهنئة "الآخر" بعيده، وموقف المسلمين الحقيقي من الديانات الأخرى، ودراية المسلمين بأنبيائهم وبقرآنهم، وحقيقة "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، والاعتراف بإنسانية الآخر، ونقد هذا الآخر الرافع لشعار الإنسانية النابعة من معتقداته الدينية، وقراءات أخرى نستمع لها يوميا لم تكن تخطر على بالنا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/26 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/26 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

بعد أن رأى العمل النور في سنة استثنائية جمعت بين مولد سيد الأنبياء وروح الله، آن النظر من بعيد: هل حققنا هدفنا؟

"سيدنا المسيح"، عمل فني جديد شكلًا ومضمونًا، حاولنا خلاله الخروج بصورة لا اعتيادية، ونزعم أنا نجحنا عبر عدة مقاربات لفت العمل أثناء مراحله الثلاث: التحضير والتصوير والمعالجة. ربما كنت أعلنت مسبقا تحيزي و"حبي" لهذا المنتج تحديدًا من منطلق استذكاري الدائم لتفاصيله الممتدة على مدى سنة قياسًا بحجمه، فالحديث لا يدور حول فيلم درامي بطول ساعتين، إنما على قطعةٍ موسيقيةٍ مصورةٍ وإن حاول المخرج إظهارها بحس درامي مشابه لما يُطرح على الشاشات الذهبية أو الفضية.

لكني سأحاول هنا الخروج من عباءة المحب نحو تفسير نقدي.

حقيقة الجدل

في التسويق، يُلتفت لنجاح المنتج – أيا كان – عبر الضجة أو البلبلة أو الجدل الذي يستطيع خلقه -شئنا أم أبينا-، ولذلك ظهر مختصون في هذه الزاوية قادرون على تحريك الماء الراكد، فستسمع مواقف سياسية مثيرة أو تصريحات فنية مثيرة أو عناوين مثيرة في الصحف وربما تشاهد تصرفا مثيرا أو خطأ -متعمدا- مثيرًا يتعمد صاحبه -بعد ذلك- الخروج والاعتذار وسحب موقفه، يكسب حينها بلبلة ولا يخسر شيئا.

الملاحظ في هذا المثال هو صناعة البلبلة دون محتوى حقيقي، بمعنى: لغط فارغ، زوبعة في فنجان، حالة قائمة -في كثير منها- على التكرار.

هل تذكرون خلاف أحلام راغب علامة؟ والمقهورين من الملكة؟.

يمكن اصطناع الضجة بمثال آخر يقوم بالاقتراب من الثالوث المحظور في العالم العربي: الدين والسياسة والجنس، وتعدي خطوط الخطوط المرسومة عرفا، حينها ستخلق حالات جدلية، يمكن للناقد التفريق بينها من حيث المحتوى، فمن يكتفي بسب الرب أو الحاكم، ليس كمن يقدم رؤية مغايرة لطرح شهير ممتد زمنيا.

هل يمكن مقارنة مواقف محمد حسين فضل الله أو طروحات محمد شحرور بنية "كيم جونغ أون" قصف أميركا بالنووي أو بكليب مثير لهيفاء وهبي؟

أيضا يمكن استفزاز الألسن والأقلام من خلال مشاهدة مواقف شديدة الغباء، أو شديدة السذاجة، أو شديدة السخرية، خصوصا حين تطرح من قبل صاحبها بكل ثقة: ما رأينا بسلم السيسي؟ أو بفيديوهات الخليل كوميدي؟ أو ببرنامج البرنامج؟

أخيرا، يمكن ملاحظة وجود جانب بلبلي يخلق دون توقع مسبق أو مصطنع، عدنان إبراهيم يخطب منذ عشرات السنين، ما الذي جعله محورا جدليا فجأة؟ ومن الذي توقع لهاتف نوكيا 3310 أن يكتسح العالم؟ ولماذا كان الانتشار المجنون لـ Gangam Style؟

أظهر ولا تخبر

تعلمت قاعدة سينمائية جميلة أزعم أنها الفيصل: Show, don't tell، كلما شعر المتلقي بنيتك إقحام ما تريد رغما عنه كلما نفر، لا يمكن أن تظهر وتقول للناس: "حسنا، أريد إثارة الجدل بعد خمس دقائق"، أو أن تطبع عبارة "محتوى سيصنع بلبلة" على كتابك، لكن يجب أن تمرر ذلك للمتلقي دون أن يشعر، تظهره له وتحفزه على الشعور بذلك، وهذا ما أعتبر أن "سيدنا المسيح" نجح فيه، فالمحتوى فني يطرح مسألة دينية شائكة في مناسبة دينية شهيرة، بمعالجة دينية اجتماعية تاريخية.

وبالنظر للغة الأرقام، فمشاهدات الكليب وصلت إلى أكثر من ربع مليون مشاهدة على صفحة الفنان على فيس بوك مقتربا من المركز الأول بالمقارنة مع فيديوهاته الأخرى، ومقتربا من مشاهدات كليب شهير -قديم- آخر عبر حسابه على يوتيوب في فترة أسبوعين فقط، علما أن التصاعد الهائل في المشاهدات كان في الأيام الأولى وقبل البدء في الإعلانات الممولة القائمة على الخلق المتعمد للجدل.

تقدم حالة "سيدنا المسيح" قراءة لقصة تهنئة "الآخر" بعيده، وموقف المسلمين الحقيقي من الديانات الأخرى، ودراية المسلمين بأنبيائهم وبقرآنهم، وحقيقة "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، والاعتراف بإنسانية الآخر، ونقد هذا الآخر الرافع لشعار الإنسانية النابعة من معتقداته الدينية، وقراءات أخرى نستمع لها يوميا لم تكن تخطر على بالنا.

قدمنا في "سيدنا المسيح" جدلًا متوقعًا، ومحتوى حقيقيًا صلبًا، ربما لم أرتح للعملية التسويقية التي تلت طرح العمل، لكنها لم تؤثر على المنتوج وحقيقة الأرقام.

شاهد

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد