هل يمر الوطن العربي بأزمة هوية؟

نصل دائمًا متأخرين.. نصل بعد أن تقع الكارثة ولا نبالي.. وكأنها لا تعنينا.. العراق.. السودان.. ربما اليمن وقريبًا سوريا ومصر.. والشمال الإفريقي ليس ببعيد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/15 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/15 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

هل يمر الوطن العربي في أزمة هوية؟ ولماذا تهرب أطرافه -من جهاته الأربعة- مبتعدة عن الجسد؟

بل الأخطر من هذا، لماذا تهرب أقطار بكاملها من فلكها العربي إلى أفلاك إقليمية أخرى، تبحث من خلالها عن الأمن والأمان والقوة والاستقرار؟!

أسئلة كثيرة بدأت تؤرقني كما تؤرق الملايين من هذه الأمة العظيمة.. الأمة العربية.. والسبب بسيط جدًّا لا يتعدى حالة الكذب والنفاق الجماعي التي عاشها المواطن العربي منذ الاستقلال إلى اليوم.

لنكتشف فجأة بأننا نعيش في وطن وهمي، قائم على الشعارات البراقة، تحكمنا الطائفية والمذهبية الدينية والعنصرية القبلية.

يضاف إليه انعدام الثقة والوفاء والإخلاص لمبادئ الجامعة العربية، والاتفاقيات المبرمة بين دولها، سواءً على المستوى الإقليمي أو العام.. واستقلال كل دولة بقراراتها وعلاقاتها الدولية على حساب المجموع، حتى إذا ما لحقت أي دولة من دولها مصيبة، كانت محطَّ شماتة وهزء وسخرية من البقية.. وكأن ما يجمع أي دولة عربية بأخرى لا يتعدى اللسان!

فهل يمر الوطن العربي في أزمة هوية حقًّا؟
عندما طرحت هذا السؤال في مقدمة مقالي كان يستحضرني سؤال مشابه كان قد طرح في فرنسا منذ عدة أعوام حول هوية فرنسا، بمعنى من هي فرنسا؟ ومن هم الفرنسيون؟ وبعد نقاشات دامت أكثر من عام، ساهم فيها وبشكل نشط نخبة من مفكري وفلاسفة ومثقفي فرنسا، توقفت هذه النقاشات فجأة.

بعد أن اكتشف الفرنسيون بأن فرنسا ليست -كما كانوا يتصورون- مؤلفة من شعب وثقافة واحدة، وإنما من عدة شعوب وثقافات ولغات.. وأن الاستمرار في هذا النقاش سيؤدي حتمًا إلى تفتيت فرنسا وحرب أهلية لا يحمد عقباها.

فأسدل الستار عليها، وترك الأمر للمتعصبين والعنصريين، لممارسة دورهم في تشتيت اهتمام الرأي العام -عن السؤال الحقيقي والجوهري عن ماهية وهوية فرنسا- نحو المهاجرين، بهدف بعث الروح الوطنية، في وطن مركب من قطع فسيفساء ركيكة، قابلة للانفراط بأي وقت!

بالنسبة للعالم العربي.. فإن سبب التشتت وفقدان التوازن الذي يعم أرجاءه في هذه الفترة، هو عدم وجود شخصيات قيادية، تتمتع بشيء من الجراءة والشجاعة وقوة الشخصية والصدق، قادرة على استقطاب محبة وثقة شعوبها.. وتمتلك برنامجًا للإصلاح يتمتع بالواقعية، ويمثل بشكل صادق طموحات شعوبهم، بعيدًا عن القبلية والعشائرية والعائلية والطائفية والحزبية والفئوية.

بكل بساطة نحن بحاجة لنبي عادل لا يخاف أحدًا.

ونبي هذا العصر ليس بالضرورة أن يكون مكلفًا بمهمة سماوية ومعجزة إلهية لينشر العدالة بين الناس، ويكون مقنعًا ومحبوبًا وقادرًا على الفوز برضا الشعوب.

نبي هذا العصر يستمد تكليفه ومعجزته وقوته من إخلاصه للأرض التي أنجبته.. وللأمة التي أرضعته من ضرع فطرتها ونخوتها وشهامتها لبن الحرية والعدالة والمساواة والصدق.

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً:
هذه الصرخة القوية التي أطلقها الخليفة الشهيد عمر بن الخطاب -بمعزل عن ظروف ومكان قولها- تعبر بلا شك على خلق الدين الحنيف ورسالته الإنسانية، التي لا تعرف التمييز للجنس ولا التعصب للعرق ولا الإكراه في الدين، وهي تتفق تمام الاتفاق مع الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} الحجرات: 13

من هذه المقدمة البسيطة، أعود للحديث حول تساؤلي: هل يمر الوطن العربي في أزمة هوية؟

وأنا -وكما جرت العادة- لا أتطرق إليه من أبعاده السياسية، وإنما من أبعاده الأخلاقية والإنسانية.. وفيه بعض الرومانسية الحالمة بمجتمع مثالي، يتمتع بقدر كاف من التسامح والأخلاق والعدالة الاجتماعية.

ومصدر عودتي لهذا السؤال عن أزمة الهوية في العالم العربي.. هو هذا القلق غير العادي الذي تلبسني كما تلبس ملايين مثلي من أبناء هذا الوطن الكبير.. الوطن العربي، وهو يشهد تمزقه وفرط عقد أقاليمه الواحد تلو الآخر دون أن يستطيع القيام بأي شيء.

فهو محاط بأنظمة مستبدة تمنعه حتى من التظاهر.. وهي بالكاد قادرة على حماية أنفسها وحماية أقاليمها من التفتت، بعد أن ابتعدت هي الأخرى عن المركز، باتجاهها نحو الأطراف، وتحالفت مع قوى إقليمية غير عربية.. فإذا كانت الدول قد فقدت ثقتها بأشقائها العرب وهم مصدر قوتها.. فكيف بالمواطن؟

نصل دائمًا متأخرين.. نصل بعد أن تقع الكارثة ولا نبالي.. وكأنها لا تعنينا.. العراق.. السودان.. ربما اليمن وقريبًا سوريا ومصر.. والشمال الإفريقي ليس ببعيد.. والسبب واحد هو عدم تدارك أزمة الثقة والهوية العربية، والقيام على صناعة وطن قوي قائم على التسامح والعدالة والاعتراف بالآخر.

أما سبب انفراط هذا العقد، عقد هذا الوطن العربي الكبير، الذي طالما تغنينا به، فهو بلا شك عدم تدارك هذه الأزمة، وضياع ثقة مثقفيه به.. وتحاشيهم التضامن مع قياداته في محنتها، أو حتى إيجاد قيادات بديلة.

حتى لا تتكرر مأساتهم، في إعطائهم الثقة لقيادات ثورية، فشلت في إقامة العدالة الاجتماعية، ووظفت أفكارها وقيمها لخدمة فئة من الناس على حساب فئات أخرى، تحت أعذار مختلفة ليس أقلها، الدفاع عن العرب والعروبة والثقافة العربية، أي إضعاف وتهميش -وفي بعض الأحيان سحق- الأقليات الإثنية والعرقية والدينية الأخرى، بالرغم مما لتلك الأقليات من جذور ضاربة في عمق تاريخ تلك البلدان وليست دخيلة عليه.

ولهذا أنا لا أستغرب أن تطالب الكثير من الأقاليم العربية، ذات الكثافة السكانية من قوميات غير عربية (السكان الأصليون للبلاد) بالاستقلال عن الوطن الأم.. وقد تصبح هذه الأقاليم ملجأً للعقول والمثقفين العرب، خاصة إذا ما نجحت تلك الأقاليم، في إقامة دولهم على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، بحثًا عن الأمن والسلام.

وموضة الدعوة إلى الانفصال، وبعث الحضارات القديمة ليست جديدة العهد، فهي تعود إلى بدايات استقلال وقيام الدول العربية، وقد تصدى لها نخبة علماء ومفكري ومثقفي وثوريي العالم العربي.. ظنًا منهم بأنهم سيدعمون التوجه إلى إقامة الوطن العربي الكبير، والدفاع عن اللغة والثقافة العربية.

وهكذا وبعد مرور أكثر من ستين عامًا على استقلال البلاد العربية، لم يحدث أي تقدم يذكر على أي مستوى من المستويات، سواء العسكرية بتحرير فلسطين، أو السياسية باتحاد الدول العربية، أو الاجتماعية بإيجاد فرص العمل وتحسين مستوى الضمان الصحي والاجتماعي والشيخوخة، حيث تتجاوز مستويات الولادات وعدد الداخلين سوق العمل كل خطط التنمية الموضوعة لذلك.

بعض البلاد العربية ما زالت إلى الآن تستخدم البيوت العتيقة والمهترئة كمدارس ومكاتب للدوائر الحكومية، هذا عدا سوء تنظيم المدن ومشاكل البنية التحتية، من ماء وكهرباء وصرف صحي وتلوث، وكل ما يتعلق بالبيئة وحمايتها إلخ.. هذا إذا ما تجاوزنا المشكلة الكبرى والتي تتعلق بالحريات العامة والخيار الديمقراطي للرئاسات والحكومات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد