نحسبهم عند الله شهداء.. أولئك الذين باعوا أنفسهم ولطخت دماؤهم تراب هذا الوطن في سبيل دفع الظلم وإجلاء الظلمة ودحر المستبدّين، من أجل تطهير البلاد من أعداء هويّة ودين هذا الشّعب الأبيّ، شهداء رخصت عندهم الحياة وهانت عندهم الأرواح في سبيل أن يخلّصوا البلاد من شرور الاستعمار وأدوات الاستعباد، وأن يرفعوا عن أنفسهم وأهليهم المهانة والذلّ والتبعيّة العمياء..
صمّموا واستعانوا باللّه وحده وثبتوا على مبادئهم بثمن الدّم والحياة، حتى كان لهم ما أرادوا من جلاء أسباب القهر والطغيان، ليرث الأرض من بعدهم أجيال تعاقبت، تنعم بالحريّة وتزهو بالحياة وكذلك ليرث -البلاد والعباد- من سنحت له الظروف أن يحكم وأن يتحكّم وأن يطوّع ثمار ما قدّمه الشهداء لحساباته السّياسيّة وأن يكتب التاريخ على طريقته الخاصّة، وأن يعربد في أرشيف النضال الحقيقي حتى أسقط ومحا ذاكرة الأجيال اللاّحقة ولم يبق منها إلاّ أسطورة زعامته المنتفخة..
زعامة كان ترويها طيلة عقود من الزّمن صفحات التاريخ المزوّر، تاريخ جعل من بورقيبة – الرجل الأوحد والمجاهد الأكبر و(الشهيد الأوحد) وتناسى وغيّب قائمة تطول من رجالات الحركة الوطنيّة، وأسماء أرعبت المستعمر، وأقضّت مضجع الزعيم من بعده، فأسعده أن يقصيها من التاريخ ثم يمحوها من ذاكرة الشّعب، أو أن يجرّمها ويظهرها بمظهر العدوّ اللّدود.
اليوم وبعد الثورة قد يكون من الأكيد والواجب إنصاف هؤلاء الشهداء بإعادة كتابة التاريخ على حقيقته من جديد وردّ الاعتبار لتضحياتهم التي كان من المحرّم ذكرها عقوداً من الزّمن. وأن يتعدّى ذكرهم بإقامة احتفاليات عابرة إلى تثبيت مكانتهم في ذاكرة الأجيال الجديدة كما يجب وبحجم ما ضحّوا..
اليوم على المؤّرخين وجهابذته الذين يفاخرون في خيلاء بمناسبة وبغير مناسبة بضلوعهم في معرفة التاريخ البيزنطي والبربري والرّوماني القديم و(يتفشخْروا) بأنّهم على دراية كبيرة بأزقّة اليونان القديمة وآلهة الحبّ والخمر وغيرها، على هؤلاء أن يعرفوا ويعرّفوا أوّلاً تاريخ بلادهم وحراك أجداد هذه البلاد وأعلامها ومناضليها، والذين رووا تراب هذه الأرض الطيبة بدماء أنكرها مؤرّخو البلاد وأعدموا حتّى مجرّد ذكرها..
فهل ستستيقظ ضمائر المؤرخين والسياسيين وتشكيلات المجتمع المدني ليبادروا بنبش وتنقية تاريخ – كُتب – على حسب الطلب والمقاس لينصفوا هؤلاء الشهداء وتشملهم – العدالة التأريخيّة – أم سيكون الأمر على وزن العدالة الإنتقالية ؟؟؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.