تشكل أحكام الشريعة الإسلامية سياجاً أميناً وحائطاً منيعاً يحفظ للأفراد حقوقهم المجتمعية ويمنع عنهم التعدّي على أنسابهم وأصولهم وميراثهم، ويجعل للأسرة مكانة مرموقة يصعب التفريط فيها، كما يُعلي ديننا الحنيف من مؤسسة الزواج، ويجعلها من أرقى المؤسسات وأنبلها بواسطة أحكام لا يصل إليها الزيف أو الخداع، ولا تمسّها أيادي التلاعب التي تفرّغها من منزلتها كلبنة أساسية في بناء المجتمعات، قال عنها المولى عز وجل في محكم التنزيل "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
تلك الأحكام المقدّسة منعت -وما زالت- عن مجتمعاتنا صور تفكك وتفسخ وانحلال، وصلت إلى حدود كارثية في المجتمعات غير الإسلامية، بحيث إن أي قصة أو حدث نسمعه عنهم نتيجة تخليهم أو تهاونهم مع ضروريات مؤسسات الزواج وأسرهم، وتهادنهم مع ضياع القيم التي تحفظ علاقاتهم في هذا الصدد؛ لا نملك إزاءها -تلك القصص والأحداث- إلاّ أن نرفع أكفّ الحمد لله والتضرّع إليه سبحانه وتعالى أن حفظنا بحفظه، حفظ أعراضنا وذريتنا ونسبنا، وقبلها قيمنا وأخلاقنا، وجعلها فيصلاً يميزنا بها عن عالم الغاب والحيوانات.
مناسبة ذلك هو اكتشاف أحدهم -أو الفضيحة- في الأسبوع الماضي أنه ابن سفاح وإعلانه اسم أبيه الحقيقي! وأنه قضى عمره (60) عاماً يعتقد أنه ابن فلان قبل أن يظهر فحص الحمض النووي أنه ابن لشخص آخر.
بطل هذه الفضيحة ليس شخصاً عادياً من عموم تلك المجتمعات الغربية، إنما هو السيد جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري (أعلى منصب ديني في الكنيسة الأنجليكية) البالغ من العمر (60) عاماً، يظهر في بيان صحفي يعلن فيه أنه ليس ابن غافن ويلبي، وإنما والده هو السير أنطوني مونتيغ براون، آخر سكرتير شخصي لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل.
وبحسب هذا البيان فإن قصة الاكتشاف (الفضيحة) بدأت عندما لاحظت صحيفة التلغراف وجود شبه بين الأسقف ويلبي والسير أنطوني، الأمر الذي دفعها إلى جمع الأدلة، ثم ناقشتها معه، بناء عليها قرر الأسقف إجراء فحص الحمض النووي لإجلاء الأمر، حيث تم أخذ عينة من الحمض النووي لخلايا من فم ويلبي تمت مقارنتها مع الحمض النووي لخلايا من شعر السير مونتيغ، وأظهر الفحص أن نسبة احتمال أن تكون العلاقة بينهما هي علاقة ابن وأب تساوي (99%).
بدورها قالت والدة الأسقف ويلبي، التي تحمل اسم ليدي وليامز أوف إيلفيل بأنها بالفعل أقامت علاقة جنسية عابرة مع السير أنطوني مونتيغ قبل زواجها في عام 1955. وأضافت "بالرغم من عدم تذكري للأحداث بشكل كامل، إلا أنني أدرك الآن أنه في الأيام التي سبقت زواجي المفاجئ من غافن ويلبي ذهبت إلى الفراش مع أنطوني مونتيغ براون، مشيرة إلى أنه يبدو أن الاحتياطات التي اتخذت في ذلك الوقت لم تنجح وحملت في هذا الابن الرائع نتيجة لذلك". وأضافت أنه "لم يشكّ ويلبي ولا هي في أن الطفل جاستن لا يعود إليه" مؤكدة في بيانها أن هذا النبأ مثّل لها "صدمة لا يمكن تصديقها"!
لا أريد أن أسترسل في تفاصيل تصريحاتهم وبياناتهم الصحفية التي لا يفهمون أنها بيانات فضائحية، ولا يتورّعون عن الإعلان عن حيثيات دقيقة فيها تتعلق بالعلاقات الجنسية، وفق ثقافة تسمح بأن يظهر أحدهم على الملأ ليقول في وسائل الإعلام المختلفة أنه "ابن حرام"! وأنه جاء إلى هذه الحياة سفاحاً! لكن من المهم إزاء هذا الانحطاط أن نعمل جاهدين على حفظ موروثنا الشرعي والقيمي في حماية المرأة وصون الأسرة من أي اختراق، تحت أية مسميات قد يكون في ظاهرها تُعلي من شأن المرأة لكنها قد تكون في حقيقتها تضرب مداميك في كينونتها وتهتك أسوارها الحصينة وتحوّلها إلى سلع رخيصة في عالم العلاقات العابرة البعيدة عن قداسة ورعاية مؤسسات الزواج وحفظ الأنساب والأصول.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.