فقط في تونس “أوراق بنما” مؤامرة و الفاسدون ضحايا

تداعيات "أوراق بنما" على الساحة التونسية ليست سوى مرحلة من مراحل بناء الدولة الديمقراطية، حيث السيادة للشعب والكرامة للمواطن والشرعية للدولة، وما هي إلا معركة تضاف إلى بقية معارك الوطنيين من التونسيين الحالمين بوطن يتساوى فيه الجميع

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/13 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/13 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش

"أوراق بنما" هي أكبر عملية تسريب وثائق سرية في تاريخ الصحافة الاستقصائية بـ11.5 مليون وثيقة وبحجم 2.3 ترابيت. هذه الوثائق هي أرشيف مكتب شركة موساك فونسيكا (Mossack Foncescka) للخدمات القانونية التي تتخذ من بنما مقرًّا لها بداية من سنة 1977 إلى غاية سنة 2015 تحصلت عليها الصحيفة الألمانية Suddentsche Zeitung .

تم التثبت من أصلية هذه الوثائق بالتعاون مع صحيفة لوموند (Le monde) الفرنسية، وتم التنسيق مع اتحاد الصحفيين والمحققين الدوليين (ICIJ) حيث يقوم حوالي 380 صحفيًّا من أكثر من 107 مؤسسات صحفية موزعة على حوالي 70 دولة بتحليل هذه الوثائق تحت مسمى مشروع "بروميثيوس"(Prometheus).

"أوراق بنما" كشفت عمليات تبييض أموال وتهرب ضريبي لعدد هائل من الشخصيات السياسية والعامة والرياضية ولرجال أعمال وطالتهم تداعياتها، فقد قدّم رئيس الوزراء الأيسلندي "سيغموندور غونلوغسون"، استقالته يوم الإثنين 5 أبريل تحت ضغط شعبي كبير، كما استقال عضو لجنة الأخلاق في الفيفا خوان بيدروداماس من منصبه وفتحت كل من فرنسا وأسبانيا وهولندا وأستراليا تحقيقات لملاحقة من يثبت تورطه.

تسريب لوثائق بهذه الأهمية، وهذا الحجم حظي بمتابعة إعلامية عالمية وبدعم سياسي ومجتمعي في أغلب البلدان للمواقع التي تولت مهمة نشر التقارير والمعطيات، حتى أن الضغط الشعبي قد يدفع بالوزير الأول البريطاني دافيد كامرون للاستقالة، بعد الكشف عن اسم والده وزوجته في وثائق "بنما بايبرز". وفي مقابل ذلك فإن التعامل في تونس مع هذه التسريبات والفضائح المالية، وخاصة بعد ورود اسم سياسي بارز، كان مديراً للحملة الرئاسية للرئيس الحالي وأهم مساعديه يبحث في فترة ما بين الدورة الرئاسية الأولى والثانية عن ملاذ ضريبي لأموال غير معلومة المصدر ولا الوجهة، وأسماء رجال أعمال هربوا أموالاً إلى بنما عبر شركة موساك فونسيكا، كان تعاملاً مشبوها انحاز إلى المتورطين على حساب كشف الحقيقة.

البداية كانت بعد كشف موقع "إنكيفادا" عن اسم محسن مرزوق مدير الحملة الانتخابية للرئيس التونسي الحالي، لتنطلق في الساعات الموالية لذلك هجمات إلكترونية تستهدف الموقع انتهت بقرصنته ونشر خبر زائف يتعلق بالرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، لتوجيه الرأي العام عن المورطين الحقيقيين، وفعلاً انخرطت وسائل الإعلام في تناقل معلومة زائفة، متناسين عمداً خبر تورط مدير حملة الرئيس السبسي.

بعد إعلان المسؤولين عن الموقع عن قرصنته ونفي ما ورد في خصوص الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، كان من المنتظر أن يكون الموضوع الرئيسي لوسائل الإعلام تسريبات "أوراق بنما " إلى أن التعامل الإعلامي مع الموضوع كان ضعيفاً وموجهاً نحوالتشكيك في الموقع ومهنية القائمين عليه أولاً ثم في التسريبات وتوقيتها والمستفيد منها على المستوى العالمي.

فقط في تونس يحاول الإعلام التعتيم والتغطية على الجناة والمتهربين من الضرائب والمتعلق بهم شبه الفساد. فقط في تونس عوض طرح أسئلة من قبيل ما مصدر تلك الأموال المهربة؟ وأين هربت وكيفية تهريبها؟ تُطرح أسئلة على أحد القائمين على موقع إنكيفادا من قبيل من يمول الموقع؟ وهل أنتم (الصحفيين) منخرطون في المؤامرة الأميركية؟

فقط تونس تقام برامج تلفزية حوارية على تلفزة عمومية يمولها دافعوا الضرائب لتبييض المتهربين منها. فقط في تونس حجة الباحث عن ملاذ ضريبي لأموال مجهولة المصدر هي أنه لا يكتب رسائل إلكترونية في الليل وفي تونس فقط يصدقه الصحفي المحاور له.

فقط في تونس حيث "يقدر التهرب الضريبي في تونس بما يقارب 2,5 مليار يورووهوالمبلغ الذي ستقترضه تونس من صندوق النقد الدولي" حسب الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون تختار الأحزاب الحاكمة الصمت المريب ولا تتفاعل إلا بعض الأحزاب المعارضة بإصدار بيانات تطالب بفتح تحقيق ومحاسبة من يثبت تورطه وفي تونس فقط ترفض الكتلة البرلمانية التابعة لحزب محسن مروزق تكوين لجنة للتحقيق في "أوراق بنما " .

فقط في تونس يحدث كل هذا ويكون أمراً طبيعيًّا حين تكون لوبيات المال والفساد في خدمة لوبيات السياسة فترة الانتخابات، فالتحقيق الثاني لموقع إنكيفادا كشف عن اسم داعم آخر للسبسي غير محسن مرزوق ورد اسمه في "أوراق بنما "، وهو سمير عبدلي، وحين تكون بعد الانتخابات لوبيات السياسة في خدمة لوبيات المال والفساد والتهرب الضريبي، حيث دفعت رئاسة الجمهورية بمقترح قانون "المصالحة الإقتصادية"، وهو قانون لحماية الفاسدين، بالإضافة إلى تدخل رئيس الجمهورية في سير قضية لسليم شيبوب صهر بن علي، حسب ما صرحت به القاضية والعضوة في لجنة المصادرة منذ أيام.

طبيعي إذاً أن يتم التعامل مع وثائق "أوراق بنما " بهذا الشكل في دولة تتشابك فيها مصالح لوبيات السياسة ولوبيات المال والفساد والإعلام، وأن تتم التغطية والتستر على المورطين في قضايا التهرب الضريبي والفساد والعمل على حماية مصالحهم.

في ظل كل هذا يبقى الأمل في محاسبة الفاسدين قائماً، خاصة بعد حملة الضغط الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي وحملة الضغط السياسي التي تتقدمها قيادات حزب حراك تونس الإرادة المعارض ونشطاء المجتمع المدني والهيئات، كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي أنتجت تحركاً لوزارات العدل والمالية وأملاك الدولة والشؤون العقارية في اتجاه فتح تحقيقات قضائية وإدارية ورقابية، وأعادت المطالبة بعرض والمصادقة على القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإثراء غير الشرعي في رحاب مجلس النواب.

تداعيات "أوراق بنما" على الساحة التونسية ليست سوى مرحلة من مراحل بناء الدولة الديمقراطية، حيث السيادة للشعب والكرامة للمواطن والشرعية للدولة، وما هي إلا معركة تضاف إلى بقية معارك الوطنيين من التونسيين الحالمين بوطن يتساوى فيه الجميع، لا فقط أمام القانون، ولكن أيضاً الحق في التنمية والرعاية وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا متى انطلقت الحرب على الفساد وسادت إرادة الإصلاح والتغيير الحقيقي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد