لا أعرف إن كانت لجنة جائزة نوبل للسلام مازالت ترى أن ذلك الرئيس الذي ترك العالم يشتعل هو الأحق بهذه الجائزة. عزائي الوحيد أن باراك أوباما في مرتبة السفاحين شيمون بيريز وإسحاق رابين أشهر، مصاصي دماء الشعب الفلسطيني، هم كذلك من نجوم نوبل للسلام.
لكن ما يقهر المرء في هذا العالم أن التاريخ الشفهي "الصادق" مهزوم أمام التاريخ المكتوب "الكاذب"، وإلا كيف لي أنا ابن الشرق الأوسط "المسحوق" أن أصدّق أنا أوباما رجل السلام؟! وأنا من عاصر بأم عينيه جثثاً مشوية ورؤوساً مدحرجة وأطفالاً تغرق!
هل تعرفون ماذا فعل أوباما رجل السلام بالسوريين؟ لم تكن يوماً الأزمة السورية في أولويات سيد البيت الأبيض، فقد عُرف عنه بين مستشاريه أنه كثيراً ما ينشغل بجهاز "البلاك بيري" حين الحديث عن سوريا، إلى درجة أنه يذهب إلى تصفح الرسائل الخاصة ضجراً من ذلك الحديث.
في مايو/آذار عام 2014 زار وفد من الائتلاف السوري الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال أسبوعين أجرى وفد الائتلاف جولة علاقات عامة في كل المؤسسات الأمريكية، انتهت بلقاء أوباما لمدة 20 دقيقة لم يقدم لهم أدنى درجات الدعم.
لم يمض شهر واحد على هذا اللقاء حتى ظهر أوباما في 20-6-2014 في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية بتصريح خيب آمال المـعارضة قائلاً عـن الجـيش الحر: "لا يمكن لمزارعين وأطباء أسنان لم يسبق لهم أن حاربوا أن يتغلبوا على نظام الأسد والمجموعات الجهادية". ونسي أنه هو وجيشه الجرار لم يتغلب أيضاً عليهم.
في أغسطس/آب عام 2014 تواصلت شخصيات من الكونغرس الأمريكي مع الضابط (المصور) السوري المنشق المعروف باسم " قيصر"، وعرض "قيصر" أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي صوراً لجثث عذّبها النظام حتى الموت. هذه الصور وصلت (35 ألف صورة) موثقة ومحكمة ومدققة من فريق فني بريطاني في شؤون الصور إلى أوباما، لكنه أوعز إلى مستشاريه بحجبها عن الإعلام الأمريكي حتى لا تشكل عامل ضغط شعبياً يجبره على اتخاذ خطوات لا يرغب فيها.
مؤشرات التردد "الأوبامي" حيال الأزمة السورية لا تعد ولا تُحصى، ففي اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وقيادات من الائتلاف، قال كيري مصارحاً: "أوليتنا داعش العراق، أما داعش سوريا عليكم أن تجدوا طريقة للتخلص منه".
ما سبق ليس افتراءً ولا تحاملاً أو مبالغة، إذ شهد شاهد من أهلها. فقد صدر الشهر الماضي كتاب جديد لعميل سابق في (CIA)، يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً من تجاهل الرئيس الأمريكي للأزمة السورية، وعدم اهتمامه بإسقاط نظام الأسد.
يقول العميل دوغلاس لوكس في كتابه الذي حمل عنوان "كيف اخترق ضابط صغير في (سي آي إيه) طالبان والقاعدة"، إن الرئيس أوباما أجهضَ 50 خطة للإطاحة بالأسد.
ويؤكد دوغلاس الذي كان جزءاً من الفريق الاستخباراتي لوضع خطط للإطاحة بالأسد، أن ديفيد بترايوس يومها وضع خططاً لتسليح الثوار، لكن لم تصل إلى المستوى الذي سلّحت فيه إيران النظام وحزب الله لإبقاء الأسد.
ومن بين ما قاله إن بترايوس ومعه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا وضعوا خططاً مفصلة "وتمّ رفضها جميعاً من أوباما". وقال في مقابلة مع محطة "إن بي سي": "لقد وضعنا 50 خطة جيدة، وفريق العمليات كان واضحاً جدّاً حول مضمونها، إنّما القيادة السياسية لم تعط الضوء الأخضر لتنفيذ أيّ منها".
لكن لماذا يدير رئيس أكبر دولة في العالم ظهره لأبشع أنواع القتل والتدمير، ويقف متفرجاً أمام شلالات الدم وتفريخ التطرف وتهجير – حتى الآن – 12 مليون سوري كثير منهم التهمهم البحر. وهو رئيس الدولة التي تحمل قيم الإنسانية والديمقراطية.
البعض عزا الموقف الأمريكي هذا إلى ضعف إدارة أوباما، وآخرون يرون أنه تردد أكثر من كونه ضعفاً، بينما يرى البعض أنه أفول للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط.
من يعتقد أن الرئيس أوباما ضعيف فهو قليل المعرفة ببنية الحكم الأمريكي، فهو من أكثر الرؤساء الأمريكيين قوة وإمساكاً بالسياسة الخارجية، وهي ظاهرة نادرة في التاريخ السياسي الأمريكي، وهو يشرف شخصياً على السياسة الخارجية ويدريها في أدق التفاصيل.
والحقيقة أن أوباما يعتقد باستحالة حل تلك الصراعات في الشرق الأوسط، وبالتالي الأفضل الابتعاد عنها ودرء مخاطرها عن الساحة الأمريكية.
ويدلل على ذلك بموقف الرئيس أوباما من سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق وسورية خصوصا بعد سقوط الموصل وفتح الحدود السورية العراقية وما زعمه التنظيم من انهيار "سايكس بيكو"، حين كان موقف أوباما "لا موقف".
إذا ما الذي هدف إليه أوباما من سياسته تجاه سوريا بعد أن عرفنا حدود الدور الأمريكي؟
إن وجود شخص مثل بشار الأسد في دولة استراتيجية كسوريا تحد الناتو من الجنوب وتطل على المتوسط، فضلا عن كونها بوابة العبور العربي إلى أوروبا مفيد جدا لمشروع تفكيك المنطقة وإضعافها سياسيا واقتصاديا وأمنيا. ناهيك عن تحويلها لساحة حرب تجعل مصانع السلاح تعمل ليل نهار دون أن توفر حاجات الحروب الشرق أوسطية.
لقد أصبحت الأزمة السورية "عكاز" الدول الكبرى لتنفيذ مشاريعها التاريخية في المنطقة، وبالتالي ما لم تكتمل هذه المشاريع من تفكيك وإضعاف وتأمين حدود إسرائيل وأهداف أخرى منها ما نعرفه وما أكثره فإن الأزمة السورية لن تنتهي.
ويبدو أن أوباما يستند إلى النص السابق.. وتبقى سوريا هي الفاتورة حتى الآن.. إننا ننتظر 20 يناير 2017 بفارغ الصبر يا سيادة الرئيس.. حتى لا نراك إلى الأبد.. غير مأسوفٍ عليك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.