الشعب وحيدا

في بلدان العالم الثالث الكل يسير خلف الحاكم بأمر الله وكافة المؤسسات والوزارات والجهات العامة والخاصة تدور في فلكه وتسير حسب مزاجه والشعب أيضاً يجيد فهم حاكمه فيتلون بلونه ويتكيف حسب رغباته.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/08 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/08 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

يدعو مذهب الليبرتارية إلى توسيع حريات الأفراد، وبالتالي تفكيك القيود المجتمعية والحكومية المفروضة عليه مع التقليص الدائم لصلاحيات الحكومة في التعدي على حرية الفرد حتى ولو كانت تلك التدخلات مؤيده ديمقراطيًّا، هذا المذهب أيًّا كان رأيك فيه يعد التفكير فيه بالنسبة لنا حالة شديدة الترف فكريًّا وثقافيًّا، فهي ما زالت حالة من اليوتوبيا عند الشعوب الغربية التي تعمقت لديها ثقافة الحقوق والحريات منذ سنوات طويلة، فما بالك بشعوب تعبد حكامها؟!

هذه المقدمة أراها مهمة كتوطئة لتفسير حالة من حالات شعوب العالم الثالث، والتي حينما يتخلى عنها الوالي (جزئيًّا) وهي الحالة التي يعرض فيها الحاكم عن شعبه وينشغل بشأن صحته أو بما يهدد عرشه خارجيًّا، فيترك الشعب ليتدبر شأنه بالاعتماد على نفسه، فأي يُتْمٍ وأي مآلات تنتظره؟ فيستحيل الشعب إلى ما يشبه الطفل حينما يفقد والديه وسط الزحام!

في بلدان العالم الثالث الكل يسير خلف الحاكم بأمر الله وكافة المؤسسات والوزارات والجهات العامة والخاصة تدور في فلكه وتسير حسب مزاجه والشعب أيضاً يجيد فهم حاكمه فيتلون بلونه ويتكيف حسب رغباته.

انشغال الحاكم الذي يدير الوطن كله برغباته يسهم في انفلات التروس من تلك المؤسسات البيروقراطية الضخمة فيظل يمزق في جسد الشعب وينتهك عقله ويدنس مقدساته فيدخله في دوامة من الحيرة، فلا يغدو قادراً على فهم (المزاج) ولا على معرفة مسير الركب ويعجز عن تفسير التوجهات، إن كلاب الصيد التي مهدت لها الطرق لحمل مباخر الحاكم والتسبيح بحمده ستفقد التوجيهات وينفلت عنها اللجام، لذلك ستصاب بالسعار فتنهش في جسد الشعب الأعزل فتهاجمه وتهمشه وتحقره فتظهر الخروقات وتتعاظم الهفوات وينفلت الخطاب والشعب يصرخ ولا صوت له، ويستمر العويل وأجهزة الدولة كالدبابات تدوس على أشلاء الشعب الذي يصرخ مستنجداً بالقائد الرمز المخلص، تبكي مغادرة حضنه وتتوسل عطفه وإشفاقه ولا أحد يسمع له، الإعلام المنفلت يهاجمه ويشوهه والشعب المقيد لا أحد يلتفت له.

في العالم الأول يفكر الشعب في القوانين ويراجع الآليات حتى وإن اختلفت رغباته وتنوعت توجهاته وعقائده يبقى الاتفاق على الخط العريض حاضراً، ومهما كان المجتمع مشوهاً فحكومته تتماهى معه وتكون مرآته الصادقة، في بلاد الشعوب الوحيدة تعد الحرية مرادف للانفلات الأخلاقي والاجتماعي فيتم تشويه الجمال ويتم إعادة تعريف القيم فلا الصواب صواب ولا الخطأ خطأ، فتكون الدوامة حاضرة في محاولة فهم الأشياء، من المستحيل في بلدان الشعوب الوحيدة، أن يتشكل خط حقيقي ينشده المجتمع ويتمنى الوصول له، ومحاولة التحاور تنقلب إلى ضوضاء مزعجة تدور في عقول همجية اعتادت القيد، ويظل هاجس خطر الانقراض حاضراً لذلك يتم قتل كل محاولات الفهم التي قد تؤدي إلى الوعي فيموت الشعب، وهو على قيد الحياة وحيداً.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد