أصدر الجنرال السيسي قرارًا -كان متوقعًا- بإعفاء المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركز للمحاسبات من منصبه، استنادًا لقانون صنعه لنفسه، أعطاه الصلاحية بعزل رؤساء الهيئات الرقابية، بعد أن أعلن جنينة أن حجم الفساد في مصر قد بلغ 600 مليار (حوالي 75 مليار دولار)، وأشار إلى وجود جهات سيادية كالجيش والقضاء بهما فساد كبير، وقد رفضتا السماح لموظفي الجهاز بالتفتيش، لمعرفة أوجه الصرف المختلفة.
هذا القرار الذي أصدره السيسي في شهر يوليو/تموز من العام 2015، قرار بقانون يحدد فيه الحالات التي يجوز فيها لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وحدد القرار أربع آليات يجوز فيها للرئيس أن يعفي رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، التي حددها الدستور (البنك المركزي- هيئة الرقابة الإدارية- الجهاز المركزي للمحاسبات- هيئة الرقابة المالية الموحدة). أقول إن هذا القانون وُضع خصيصًا للمستشار جنينة، لأنه تعدَّى على الذات السيساوية، فبدلاً من شكره وتكريمه على كشفه للفساد، وتيسير كل السبل لمساعدته في مهمته، انهالت عليه الاتهامات من كل مكان، وخصوصًا من أبواق السيسي الإعلامية، والمضحك من أشاوس برلمان السيسي أيضًا، المنوط بهم محاربة الفساد!
أراد الجنرال بهذا القرار، القضاء على البقية الباقية من استقلال القضاء، بعد أن سجن المستشار الخضيري، وأحال العشرات للتقاعد، والأخطر أنه حوّل ساحة القضاء لمعترك سياسي لتصفية الحسابات مع معارضيه، وبدلاً من أن يمكِّن الشباب كما ادّعى، مكنهم من السجون والمعتقلات، وقتل منهم المئات، وشرد الملايين، وأخفى منهم قسريًّا المئات.
وفي ذات السياق أصدرت نيابة أمن الدولة العليا برئاسة المحامي العام الأول المستشار تامر الفرجانى قرارًا بمنع هشام جنينة من السفر، وذلك على خلفية البلاغات التى تحقق النيابة العامة فيها، وبالتالي أصبح جنينة هو المتهم الأول في تشويه سمعة مصر السيسي، وتكدير الأمن العام، والتأثير على هيبة الدولة.
هذا ما يتعلق بالرجل الذي كشف الفساد، وحاول أن يحاصره ويحاربه، أما فيما يتعلق بمن خلفه، فهو المستشار هشام بدوي المحامي العام السابق لنيابات أمن الدولة العليا الذي ندبه وزير العدل الُمقال أحمد الزند، لمنصب مساعد وزير العدل لإدارة مكافحة الفساد، ثم تمّ تعيينه نائبًا للمستشار هشام جنينة، ومنذ ذلك الوقت، بدأ الصدام بينهما، فالأول "رجل الرئاسة" داخل الجهاز، والثاني رئيس الجهاز ومن الطبيعي أن يكون المسؤول الأول والأخير عن قرارات الجهاز، وتحدث الجميع عن حركة استقطاب لقيادات الجهاز، واصفين المنحازين لجانب "بدوي" بأنهم رجال المستشار أحمد الزند، قبل إقالته من منصبه. بهذه الأفعال وغيرها كثير، مكّن الجنرال السيسي لدولة الفساد، وعودة الفاسدين.
أقول كل الدلائل تؤكد أن الجنرال السيسي يُمكِّن لدولة مبارك، ويحمي الفساد ورجاله، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويقف حجر عثرة ضد كل من يدعو إلى محاربة الفساد، ونموذج المستشار جنينة أوضح مثال.
ففي تقرير منظّمة الشفافية الدولية حول الفساد في العالم عام 2015 تراجع ترتيب مصر بمقدار 56 مركزًا عن عامي 2012 و2013، وتراجع ترتيب مصر على مؤشر مدركات الفساد، بمقدار 56 مركزًا دوليًّا، إلى المركز رقم 88 على مستوى العالم، من بين 168 دولة، وذلك من المركز رقم 32 الذي احتلته في التقويم عامي 2012 و2013، اللذين حكم فيهما الرئيس محمد مرسي البلاد في النصف الأخير من العام الأول، والنصف الأول من العام الثاني.
وبحسب تقويم المؤشر السنوي لمنظمة الشفافية الدولية حول الفساد في العالم، الذي صدر الأربعاء 27 يناير/ كانون الثاني 2016 تراجعت مصر بنقطة في مكافحة الفساد، خلال عام 2015، إذ سجلت 36 نقطة مقابل 37 نقطة، في العام الماضي، من أصل 100 درجة.
ما أريد أن أقوله في النهاية، إن إقالة المستشار جنينة الذي عُين رئيسًا للجهاز، في 6 سبتمبر/أيلول 2012، لمدة 4 سنوات، مؤشر واضح أن الفساد انتشر في بر مصر في عهد الجنرال السيسي بدرجة غير مسبوقة، وأن أفعاله تذكرنا بقصة "علي بابا"، وكيف قام بتجريد "الـ40 حرامي" من ذهبهم المُخبّأ في الكهف، من خلال تعلم كلمة السر "افتح يا سمسم"، ولكن في هذه الحالة، كلمة السر هي "مكافحة الفساد"، التي أصبحت كلمة مستهجنة في عهده!
وبالتأمل في الآية الكريمة: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"، نجد أن الذين يضللون الناس بالسحر والضلال والكذب والإفساد، والكلام المعسول، عملهم باطل لا يأذن الله تعالى ببقائه ودوامه. وهذا ظاهر للعيان من أفعال الجنرال السيسي وأقواله، وأبواقه الإعلامية، وأذرعه القضائية، وأجهزته الأمنية. لك الله يا مصر!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.