“اليومَ نُنجيكَ ببدنكَ لتكون لمن خلفكَ آية”

فرحَ معظم اللاجئين الواصلين إلى اليونان قبل الاتفاق الأوروبي، بالبند المتعلق بتطبيق القرار على الواصلين بعد العشرين من آذار/مارس.. هؤلاء هُم الآن تماماً "القارب الذي ظنّ أنهُ نجا"!

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/31 الساعة 02:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/31 الساعة 02:14 بتوقيت غرينتش

معظم الأديان السماوية تؤمن بوجود منزلتين واضحتين بعد الموت (الجنة والنار) كثوابٍ أو عقابٍ على الجدليتن الأقدم (الخير والشر). غيرَ أن القضية التي حيّرت علماء الدين على مدى العصور، هم أولئك الذين يُصنّفون على أنهم بين "منزلتين" لا إلى الجنة ولا إلى النار، في الدين الإسلامي يُطلق على هؤلاء اسم "أهل الفترة"، أما في ديدن العالم المتحضّر حالياً فاسمهم "اللاجئون السوريون"!

قد يتساءل سائلٌ ما علاقة العنوان أعلاه الذي استخدمه الإعلامي "فوزي بشرى" في تقريره الشهير بقناة الجزيرة عن "سقوط مبارك"، وغدى أيقونةً في ذاكرة الربيع العربي بهذه التدوينة؟!

ولأن اللغة "حمّالة أوجه"، لا سيما في "القرآن" الذي استُمد هذا العنوان من إحدى آياته في سورة يونس بالجزء المتعلق بهلاك "فرعون"؛ فإني أستخدمها لأتحدث عن "سقوطٍ" أيضاً، لكن من نوعٍ آخر.

***

في الثامن عشر من مارس/ آذار الحالي، توصّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقٍ مع تركيا بخصوص أزمة اللاجئين، يقضي فيما يقضيه، على إعادة اللاجئين السوريين من اليونان إلى تركيا الذين يصلون بعد العشرين من شهر آذار/ مارس 2016.

جاء ذلك بعد سلسلة أزمات وصلت حد "الإرهاب"، إذ لم تعد تخلو عملية "إرهابية" في الكرة الأرضية، لا سيما أوروبا، من ذكر السوريين أو إثارة قضية اللاجئين، ولو للاستهلاك الإعلامي، كما حدث في تفجيرات باريس، التي أُعلن عن ضلوع سوري والعثور على جواز سفر سوري آخر، قبل أن يتبين لاحقاً كذب هذه الادعاءات.

وأصبح السوريون قبل غيرهم، يتندّرون بالإعلان عن العثور على سوري أو جواز سفر سوري و(قطرميز مكدوس سوري) في مسرح أي جريمة جديدة تقع! المضحك المبكي، أن حادثة اختطاف الطائرة المصرية التي جرت مؤخراً، شهدت وجود "سوري" بين الركاب، لم يهتم لأمره أحد.
مكاسب سياسية ومالية واقتصادية كبيرة حققتها تركيا في الاتفاق، مقابل مساهمتها في وضع حد عملي لتدفق اللاجئين باتجاه الأراضي الأوروبية واستقبال المهاجرين غير القانونيين الذين وصلوا القارة العجوز مؤخراً والمرفوضين منهم.

ومن أبرز تلك المكاسب: "تحرير تأشيرات دخول الأتراك لأوروبا، والحصول على مليارات يورو إضافية، وإحياء ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي" وغيرها.

لكن ماذا عن اللاجئين الواصلين إلى اليونان قبل العشرين من مارس/ آذار والعالقين هناك في ظروف إنسانية سيئة؟ هؤلاء وضعهم يشبهُ تماماً "أهل الفترة" الذين تحدثتُ عنهم في مطلع الكلام!

فرِحَتْ اليونان بعد أيامٍ على مرور الاتفاق بتسجيل (0) مهاجر واصل إلى جزرها لأول مرة منذ أشهر، كما فرحت تركيا بما كسبت وستكسب. ورأت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن طريقة تطبيق الاتفاق ستكون "حاسمة".

في حين أكدت المفوضية الأوروبية أن آلية تطبيق الاتفاق ستحترم القانون الدولي وسيكون لكل لاجئ يصل إلى السواحل اليونانية اعتباراً من الأحد (يوم دخول الاتفاق حيز التنفيذ) الحق في دراسة ملفه والحق في أن يستأنف قرار إبعاده. كما اعترف رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" أن "عملاً هائلاً ينتظرنا".

لكن "ضحى" وهي لاجئة سورية من بين الآلاف الذين وصلوا إلى اليونان قبل توقيع الاتفاق الأوروبي – التركي، لديها كلامٌ آخر تماماً. تقول ضحى في مستهل رسالةٍ مطولةٍ أرسلتها لي على دفعات في محادثةٍ عبر فيسبوك: "وصلتُ من رحلة الموت إلى اليونان مع مئات آخرين قبل سريان الاتفاق الجديد، وما زلنا حتى الآن فيها".

تقطعُ "ضحى" حديثها وتسألني: "هل لديك فكرة ما هو مصيرنا؟"
لا أجيبُ شيئاً، وتنقطع المحادثة.

في اليوم التالي، تبدو "ضحى" قد يئست من فعل أي شيء سوى إكمال محادثتها معي، رغم صمتي، تُكمل: "يقولون أنه سيتم تطبيق إعادة التوطين علينا، يجب أن نسجّل عبر "سكايب".. أنت وحظّك.. ما في شي واضح".

وتتابع باللهجة السورية العامية: "يا بعلّق يا ما بعلّق" في إشارةٍ منها إلى التسجيل عبر سكايب. وتصمتُ مجدداً.
بعد مرور يومين على المحادثة، طلبتُ منها أن تشرح لي عن وضعها ومن معها أكثر؛ كي أستطيع المساعدة، فقالت: "نزلَ بنا القارب في جزيرة (كيوس) اليونانية، ثم قطعنا بالباخرة إلى أثينا، وبعد وصولنا أثينا حرمونا من التجوّل بحرية، وأحضروا لنا 12 باصاً، وأرسلونا إلى مخيّم على حدود (ألبانيا) يسمّى (كاستي كاس)".

وتضيف: "جلستُ مع من معي خمسة أيامٍ.. كانت أياماً باردة لا توصف، وحين لم نعد نتحمّل، قطعنا ورجعنا إلى أثينا.. استأجرنا بيتاً وجلسنا به، وصرنا نسعى وراء إعادة التوطين".

وتستدرك قائلة: "في منظمة (براكسس) يسجّلون من كل ألف شخص لعشرة أشخاص عبر سكايب حصراً" وتضيف بالعامية السورية مجدداً : "طبعا نحنا معنا الخارطية يعني أوراقنا نظامية".

وفي أحدث تطورات المهزلة والمتاجرة بقضية اللاجئين، هدد المسؤولون الليبيون في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء 30 مارس/آذار "بفتح بوابات السد" والتسبب لأوروبا بطوفان جديد من اللاجئين ما لم تقدم القارة الأوروبية مساعدات لليبيا على غرار تلك التي حصلت عليها تركيا من أجل مكافحة مهربي البشر!

في آخر حديث مع ضحى، أرسلت لي صورةً من أمام باب المنظمة المكلفة بالتسجيل لإعادة التوطين، وقالت بيأس: "ذهبنا إلى المنظمة وأخبرونا ان التسجيل على إعادة توطين اللاجئين متوقف حالياً " وأضافت بشيء من السخرية: "في مكان التسجيل وزعوا علينا وجبات غذائية (رز ولحمة مع بندورة) على أساس أنهم متعاطفين مع السوريين."

واستدركت بالقول: "يوزعون أيضاً علينا أنشطة للتعريف بالدين المسيحي مع ترجمة "!

وختمت بالقول: "في طريق العودة إلى البيت، وأثناء وجودي في المترو، وقفت سيدة وبدأت تلقي الشتائم على المحجبّات .. تقول أننا إرهابيون ومسؤولين عن تفجيرات أوروبا .. أنا تعبانة ياريت غرقان فينا هالبلم وبلا كل هالجية".

فرحَ معظم اللاجئين الواصلين إلى اليونان قبل الاتفاق الأوروبي، بالبند المتعلق بتطبيق القرار على الواصلين بعد العشرين من آذار/مارس.. هؤلاء هُم الآن تماماً "القارب الذي ظنّ أنهُ نجا"!

بينما يقولُ لهم "العالم المتحضر"، دون أن يقول: "اليوم ننجيكَ ببدنكَ لتكون لمن خلفكَ آية"
(يُقدر عدد العالقين باليونان بثلاثين ألف لاجئ وفقا لشهادة ضحى.)
—-
ملحوظة: "قطرميز مكدوس سوري" في اللهجة السورية تعني " برطمان باذنجان مخلل محشو بالجوز، أحد أشهر الأكلات السورية "

تحميل المزيد