في السادس عشر من آذار/مارس الجاري التقت الإعلامية البارزة "زينة اليازجي" الرئيس مسعود بارزاني في برنامجها "بصراحة" وتناولت فيها محاور ومواضيع مهمة أبرزها إمكانية استقلال كردستان، وكذلك الفساد الذي يعانيه الإقليم، والعلاقة مع بغداد ومستقبل العراق وتحضيرات تحرير الموصل والمسائل الإقليمية، والعلاقة مع إيران وتركيا و"ب ك ك" والإرهاب وانسحاب روسيا الجزئي من سوريا، كما تحدث بارزاني عن أكراد سوريا بكل وضوح وشفافية وهذا ما سنتوقف عنده في قراءتنا هذه.
ردًّا على الأسئلة الموجهة إليه حول الوضع الراهن لكرد سوريا أجاب: "هناك انشقاق في الصفوف مع خلافات حادة، وهم لا يعلمون إلى أين ذاهبون، فلا تفاهم مع المعارضة ولا مع النظام، وليس لديهم أهداف واضحة وغير مقبولين لا من النظام ولا من المعارضة، وهم يستخدمون كمحاربين ضد داعش من دون أية آفاق من بعد داعش، ولذلك أنا في غاية القلق"..
كما أُوضِّح "أنه في البداية التقى كل التنظيمات الحزبية الكردية السورية كأخ وصديق وأوصيتهم بالاتحاد وإقرار تحديد موقعهم مع النظام أو ضده، ولكن من دون جدوى".
أولاً: من الواضح أن السيد رئيس الإقليم في أجوبته الصريحة والشفافة، وفي إظهار ألمه المشوب بالقلق بشأن الانشقاق في الصف الكردي السوري، وحول الحالة الكردية السورية غير المرضية عموماً يشخص بشكل مباشر مسؤولية أحزاب المجلسين (مجلس غرب كردستان والمجلس الوطني الكردي) التي تواصل مع مسؤوليها مباشرة منذ حوالي خمسة أعوام ويبدي انزعاجه وخيبة أمله من تجربته المريرة في الانشغال بهم، خاصة بعد أن فشلت تلك الأحزاب في الالتزام بتعهداتها وعدم احترام تواقيعها على اتفاقيتي هولير الأولى والثانية وكذلك اتفاقية دهوك التي أُبْرِمَتْ بإشرافه المباشر وعودتها بعد كل لقاء إلى عاداتها القديمة في المواجهات والشقاق.
ثانياً: وفي جانب آخر وكما يستشف من أجوبته فإنه يضع اللوم في ضياع الكرد السوريين وخروجهم حتى الآن بدون مكاسب وإنجازات على الطرفين الحزبيين اللذين كان يعمل على تفاهمهما فطرف "ب ي د" الموالي للنظام لم يحقق أي مكسب للكرد، فقط حصل على منافع حزبية والطرف الآخر "المجلس الكردي" لم يكن تحالفه مع المعارضة على أسس واضحة سليمة، وفي الحالتين لم يحصل الكرد السوريون عبر الطرفين على اعتراف موثق بحقوقهم لا من النظام ولا من المعارضة، وحتى الأطراف الحزبية لا تعلم إلى أين متجهة، وليس لديها برامج سياسية مدروسة وعملية، وبعيدة كل البعد عن المشروع الوطني الكردي السوري.
ثالثاً: المسألة الأخطر التي أشار إليها السيد رئيس الإقليم هي حقيقة استخدام مسلحي "ب ي د" من جانب القوى الإقليمية والدولية لمحاربة داعش من دون مقابل أي مكسب سياسي مضمون لمصلحة الكرد ومستقبلهم فقط لأغراض خاصة تتعلق بمصالح حزبية ضيقة، وأكد أن هذا الأمر يقلقه أكثر من أية مسألة أخرى في سياق عدم امتلاك الأحزاب المعنية لأية أهداف واضحة تجاه حاضر ومستقبل الكرد ضمن الإطار السوري العام.
رابعاً: وكما يظهر من مجمل أجوبته فإنه فقد الأمل من تلك الأحزاب في مجال توحيد الصف وقيادة النضال القومي الكردي وجدواها راهناً ومستقبلاً، بعد أن اجتمع بكل التنظيمات الحزبية الكردية السورية وأوصاهم بالوحدة والاتحاد والاتفاق على البرنامج السياسي الموحد والاصطفاف الواضح ومن دون مواربة وتحايل وتلون إما مع المعارضة أو مع النظام ولكن دون جدوى، وكما هو واضح فقد تابع الكثيرون مواقف الإقليم الكردستاني منذ البداية في الاستعداد لدعم وإسناد أشقائهم الكرد السوريين عندما يختارون طريقهم موحدين.
خامساً: لم يتطرق الرئيس بارزاني إلى مسألة البديل والخيار الآخر وكيفية معالجة الأزمة التي اعترف بوجودها وتفاقمها؛ لأنه -ببساطة وكما أعلن ذلك في نفس اللقاء- ليس وصيًّا على كرد سوريا بل بمثابة الأخ والصديق والحريص. وانطلاقاً من ذلك نقول كل الشكر والتقدير للرئيس الذي وضع النقاط على الحروف وأوضح للقاصي والداني وكشاهد ومتابع وناصح بوجود أزمة مستعصية سببها سياسات الأحزاب الخاطئة وقصورها في فهم الواقعين الكردي والسوري وعجزها في استيعاب متطلبات المرحلة وفشلها في قيادة الجماهير الكردية إلى بر الأمان وبالتالي إلحاق الضرر بحاضر ومستقبل الكرد السوريين.
وإننا كمواطنين كرد سوريين، متمسكون بحقوق شعبنا، نرى بحسب معرفتنا الأكيدة وتجربة حركتنا التاريخية، أن مصلحة الكرد مع وإلى جانب الثورة والقوى الديمقراطية السورية ضمن صفوف الشريك العربي، ونعتقد أن الخيار الأضمن والأمثل من أجل حل الأزمة والاستجابة لتمنيات الرمز القومي الكبير المتابع لقضيتنا هو الاحتكام إلى المؤتمر الوطني لكرد سوريا الذي سيجمع الكتلة التاريخية من المستقلين والشباب ومنظمات المجتمع المدني وقواعد الأحزاب، وكل من يؤمن بحقوق شعبنا ويرى في الثورة السورية طريق الخلاص وفي العيش المشترك قاعدة.
وبكلمة أخيرة، نقول إن التغلب على الأزمة الكردية السورية وإيجاد الحلول السليمة لها سيشكلان انتصاراً وضماناً ليس للشعب الكردي السوري فحسب، بل دعماً قويًّا لكل السوريين وثورتهم، وسنداً إيجابيًّا ودافعاً لإعادة العلاقات الكردستانية إلى مستواها المنشود، وزخماً عظيماً لتعزيز التجربة الديمقراطية الفدرالية في إقليم كردستان العراق وإزالة العديد من العقبات أمام تطويرها وصيانتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.