الصراع على القوة الإيديولوجية في الشرق الأوسط

قد ساهمت التغطية الإعلامية المفتقرة إلى الدقة والمصداقية، إضافة إلى منهج التحليل الأولي في نسب الصراع والتخلف في المنطقة إلى الدين وجعله المسؤول الأول عنها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/29 الساعة 00:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/29 الساعة 00:33 بتوقيت غرينتش

أمسى استخدام الإطار الديني في عملية التغيير والتحدي السياسي أكثر رسوخاً في العقود الأخيرة ليفرض دوامة من الجدل اللامتناهي التعقيد حول إدراج التناقضات والاختلافات وتحويلها إلى مسلمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرتكزاً على الطبيعة التساومية للسياسة والديكتاتورية النسبية في الدين.

وقد ساهمت التغطية الإعلامية المفتقرة إلى الدقة والمصداقية، إضافة إلى منهج التحليل الأولي في نسب الصراع والتخلف في المنطقة إلى الدين وجعله المسؤول الأول عنها.

بالمعنى التقليدي نجد أن الحركات الإسلامية غالباً ما يعزى إليها إدراج الدين في العملية السياسية، ولكن لا يجوز التعميم فهذا ليس صحيح دائماً، فكل الدول اللاديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية العالم الإسلامي حاولت أن تسيطر على القوة الفكرية والإيديولوجية ( الدين الإسلامي ومنظماته في هذه الحالة ) حتى من قبل أن تظهر الحركات الإسلامية إلى الوجود في الشكل الذي نعرفه اليوم.

ناهيك عن أن الصراع بين القوى السياسية المتناحرة على القوة الفكرية والإيديولوجية يبدو جلياً بالصيغة التي تحاول بها المنظومة الاجتماعية أن توجد شرعية لنوع من السلطة وسعياً منها إلى حل التناقضات في المجتمع.

في أواخر العام 2010 وبداية 2011 أطاحت انتفاضات شعبية بعدد من الدكتاتوريات التي عمرت في الحكم بدءاً من زين العابدين بن علي في تونس مروراً بحسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وصولاً إلى علي عبد الله الصالح في اليمن، وقد جلبت هذه الانتفاضات معها عقدة جديدة من الروابط المتشابكة والمتقاطعة محدثة تغييراً بيناً في البنية السياسية لهذه الدول مما سمح بظهور قوى سياسية جديدة إلى الساحة.

فالفصائل الإسلامية، السلفيون والإخوان المسلمين بتعدداتهم المتنوعة لم ينخرطوا منذ البداية بالحركة الثورية في مصر وإنما لعبوا دوراً هاما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني، حيث فازوا ب 351 مقعد من أصل 498 أي ما يقارب ال70 بالمئة من إجمالي مقاعد البرلمان المصري، حيث حصل حزب العدالة والتنمية على 45.7 % من المقاعد بينما كانت حصة حزب النور السلفي 23.6 % فقط من إجمالي المقاعد، وفقاً لهيئة الانتخابات الرسمية في مصر.

على الرغم من أن الثورة المصرية لم تكن ثورة اجتماعية تسعى لتغيير التكوين البنيوي الاجتماعي في مصر وإنما انتفاضة سياسية بحتة تسعى للتخلص من تسلط ديكتاتوري على الحكم دام ثلاثون عاماً، نستطيع أن نلاحظ تحولاً في موازين القوى السياسية وتغييراً في القوة الإيديولوجية لتضع الأحزاب الإسلامية سياسياً في أعلى الهرم، ولتفضي إلى انتخاب محمد مرسي رئيساً للبلاد تارةً، وبتحول عكسي تارةً أخرى بانتخاب النظام الانقلابي بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي دعا بدوره إلى تغيير منهجي بالدين الإسلامي وإعادة هيكلة الحوار الديني، كيف لنا التوقع بهكذا تحولات محورية وجوهرية بشكل دراماتيكي حدثت خلال خمس سنوات فقط ؟

إن عملية التحدي والتحول السياسي في مصر أو أي دولة أخرى لا يمكنها الاقتصار على البعد الإيديولوجي فقط، و إنما نشهد صراعاً حقيقياً على السلطة التي تستطيع التحكم بمصادر هذه الإيديولوجية ومنظماتها، وإن الأطراف المتصارعة تسعى بكل ما لديها لتتحكم بالشبكات والعلاقات المتحكمة بهذه الإيديولوجية عن طريق محاولات الإقناع والتضليل والتحويل والتبديل أو حتى القضاء على هذه الإيديولوجية لتصل نهاية إلى إعطاء الشرعية للسلطة التي تمتلكها، وبكلمات أخرى هو صراع على السلطة.

إن مثل هذا الصراع بين المنظمات العسكرية والسياسية والدينية على السلطة سيعبد الطريق أمام الاستخدام السياسي للإسلام وسيفتح مجالاً للإقصاء والتصفية السياسية بدلاً من التنافس الديمقراطي.

عمليات الاقصاء هذه ستساعد على تكوين تنظيمات أكثر شبهاً بشبكات تقوم على التفوق الديني والتمايز الاجتماعي في البعدين الظاهري والداخلي للسلطات الرسمية.

وإن اقتسام العمل بين أولئك الذين يتحكمون بالمؤسسات الأمنية والعسكرية والآخرون الذين يتحكمون بالقوى الإيديولوجية سيفضي إلى نوع جديد من الصلات.

بينما الاستيلاء على السلطة أو تغيير توزيعها سيؤدي إلى تنشيط هذه الصيغة الجديدة من الصلات أو ربما الشبكات التي تتمايز بفعاليتها ومقدرتها على الاستيعاب الجماهيري، هكذا اقتسام للعمل يحتاج بضرورة إلى صلات اجتماعية جديدة تحقق رغبات هذه الأطراف وتلك. وقد يحدث في مكان ما في بداية العملية استغلال للإسلام كونها ليست إلا طريقاً إلى السلطة في آخر المطاف.

وما الإيديولوجية إلا مصدر من مصادر القوة التي تستخدمها أطراف عدة مثل أي قوة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، كما وإن القوة الإيديولوجية تتمتع بقدر عال من المرونة فيما إذا تم مشاركتها، اقتسامها ، تنظيمها أو حتى إعادة تنظيمها من قبل القوى المختلفة، بينما يتمتع هذا النوع من القوة الإيديولوجية بما يشبه الحكم الذاتي مما يضطر مستخدميها إلى خدمة مصالحهم الشخصية ما أمكن، إضافة إلى إمكانية تمريرها إلى شبكات أو تنظيمات أخرى مما يفتح مجالاً أمام لعبة خطيرة من المزايدات الدينية والاستخدام المتطرف والمتهكم للدين بشكل عام، ولهذا تلعب القوى الإيديولوجية الدور الأكبر في الصراع على السلطة في الشرق الأوسط، فليست طبيعة الدين بحد ذاته هي نقطة الارتكاز وإنما أهمية استخدام مثل هكذا قوة إيديولوجية في تحويل وموازنة وإعادة هيكلة النظام الاجتماعي في المنطقة.

هذه التدوينة ترجمها أحمد هلال الدين عن الإنجليزية ونشرت على موقع إم بي سي جورنال للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد