اللاجئون السوريون، وكغيرهم ممن اضطرتهم الحرب لمغادرة أوطانهم، كل منهم اختار دولة محددة ليستقر فيها، ويعيد بناء حياته من جديد، بعيداً عن ويلات الحرب وبشاعتها وصور الدمار والدم وصوت الصواريخ التي تملأ كل الأرجاء..
كلما رأيت أحدهم في شوارع المدينة رددت جملة "كنتم مثلكم مثل غيركم تعيشون في سلام وتشتَّتُم للأسف"، لا أظن ولو للحظة أن أحدهم قد فكر يوماً ما أن يكون هذا هو مصيره.. أن يهاجر ويتخلى عن كل شيء ليفر بجلده، حيث في الحرب كل شيء يهون ولا شيء يعلو على غريزة البقاء، بل أكثر من ذلك من منهم كان يتصور بأن يقوم برحلة حافلة بالمخاطر أن يعبر البر والبحر، يعيش لأيام ولشهور في العراء متنقلاً من مكان لآخر والخطر يحيط به من كل جانب، تاركاً خلفه ماضياً وذكريات وآمالاً خابت، ووطناً قضى فيه أجمل أيام حياته ورسم فيه أهدافه وطموحاته، وفي أحيان كثيرة بعضاً من أفراد عائلته الذين اختاروا البقاء تحت وطأة الحرب على الهجرة، ويتحمل كل الظروف القاسية التي قد تواجهه، ويعيش غريباً في بلد آخر متحملاً كل مظاهر العنصرية فقط لينعم بالسلام والاستقرار ويضمن لنفسه ولأبنائه حياة كريمة ومستقبلاً قد يكون أفضل.
ملامح كل لاجئ تحمل قصة إنسان كان ينبض بالحياة وشوهت الحرب معالمها لكنها لم تقتلها. عقلي لا يستوعب كيف يمكن للإنسان، بين ليلة وضحاها أن يفقد الشعور بالأمان وأن يعيش في خوف مستمر، خوف قد يتسبب في قتله أكثر من الرصاص والقنابل، وما يحزّ في النفس أكثر، هو كيف لإنسان أن يجرأ على قتل أخيه الإنسان؟ كيف أقتل من أنا وهو قد أطعمتنا نفس الأرض وتشاركنا نفس الهموم، من تقاسمت معه لحظات حزنه قبل فرحه، ومن تجمعنا هوية وتاريخ وحضارة ودين واحد، من أنا وهو ننتمي لبلد واحد..
بلد ولو غادرناه سنظل ننتسب له؟ وكيف ﻹنسان عاش في خير وسلام وتحت سقف بيت أن يجد نفسه في مخيم يعاني البرد والجوع والقهر ويحتمي بغرباء وجد فيهم الرحمة أكثر من أخيه؟ كيف لنا أن نُسكت طفلاً صغيراً ونطمئنه ونعلمه الحب وتعاليم الدين الإسلامي الذي هو دين السلام، وهو منذ نعومة أظافره لم يرَ سوى الدمار والعنف والعدوان؟ كيف لأم أن تنعم بالحياة بعد أن فقدت جميع أبنائها في الحرب؟
واأسفاه على عالم ماتت فيه الإنسانية وطغى فيه الإنسان واستبدّ، واختفى منه الخير والتسامح وأصبحت مجرد قيم تدرس في الكتب لا مكان لها في الواقع.
لكن سوريا وبالرغم من الدمار الذي لحق بها، وبالرغم مما خلفته هذه الحرب الأهلية من أزمات نفسية في نفوس سكانها ما زال شعبها متشبثاً بالحياة، نظرات الأطفال في المخيمات مليئة باﻷمل وضحكاتهم وروح البراءة التي لم تغادرهم تدل على ذلك. بإمكانك أن تقتل كل شيء إلا الأمل والإرادة في نفوس البشر فكل الأسلحة الفتاكة لا يمكن أن تقضي عليها.
سوريا سيزهر الياسمين من جديد في أرضك وسيملأ عطره كل شوارعك، وستعود البسمة لوجوه أبنائك وسيلتم شملهم.
ولا أجد أفضل من خطاب السلام لمحمود درويش ليكون رسالتي لكم
.. ويا أيها الشعب، يا سيّد المعجزات، ويا باني الهرمين!
أُريدك أن ترتفع
إلى مستوى العصر. صمتاً وصمتاً، لنسمع وقع خُطانا على
الأرض، ماذا دفعنا لكي نندفعْ..
ثلاث حروب – وأرض أقل
وخمسون ألف شهيد – وخبز أقل
وتأميم أفكار شعب يحب الحياة – ورقص أقل
فهل نستطيع المضي أماماً؟ وهذا الأمام حُطام
أليس السلام هو الحل؟
عاش السلامُ.