تقوم وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان بإصدار قوائم ترفيع عناصرهما العسكرية والأمنية مرتين في العام الواحد، وحينها نشهد إحالة غالبية الضباط السنّة إلى التقاعد، إذ تتوقف ترفيعاتهم عند رتبة العميد، إلا من اكتسب رضى القيادة عبر معرفته الجيدة لأفضل طرق الصمت على ما يرى من ظلم وفساد، أويكون من كتبة التقارير المشهود لهم، أومن يتمكن من الوصول الى نصف أعضاء لجنة الترفيع زائد واحد، ومن ثم إيصال المعلوم حيث " لكل مقام هديته (..!! )" .
يلي الترفيعات الامنية والعسكرية – غالبا – تغييرات في المحافظين وفي أفرع الأجهزة الأمنية في المحافظات، وبعد أن يأخذ القصر الجمهوري حصته، يترك بعض فتات المناصب الادارية الكبرى(محافظون ومدراء ورؤساء فروع أمنية) لقادة الأجهزة الأمنية الكبار "يتنفعون منها"، فيعينون من يرضون عنه، ومن كانت سيرته حافلة بأذى الناس، أو من يكون من "عظام الرقبة"، حيث يندر تعيين من هو خارج دائرة القرابة والطائفة، لكن يمكن أن"يزمط" من كان أمثولة في الوضاعة الاجتماعية، ومميزا في طأطأة الرأس، وسريع التطور في كتابة التقارير، وغيرها من صفات أشبعها المتحدثون تفصيلا..!!
ومنذ أن منذ سطا حافظ الأسد على السلطة، أصبح من المتعارف عليه منح المحافظين ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين ينقلون الى الرقة سلطات مفتوحة، يستبيحون فيها أملاك الناس وكراماتهم بالطرق التي يرونها مناسبة، و رغم هذا الامتياز فإنهم يأتون الرقة وفي عيونهم دمعة.. فأي مصيبة هذه التي نقلتهم إلى بلاد"الواق الواق" التي تحدث الادباء عنها..؟؟!!
لكنهم في الأيام الأولى لوصولهم يكتشفون كم هو كبير حب القائد لهم، وكم هو صاحب نظرة ثاقبة(..!!)، وبعد هذا الاكتشاف "يجلبون" أسرهم، وأصدقائهم المقربين ليتم تعيينهم رؤساء للدوائر والمؤسسات، ليكونوا عيونهم وسواعدهم التي تدخل الى جيوبنا المتخمة ثم تخرج وقد تركتها يبابا، وبالطبع كلهم – على ذمتهم – يقربون عائلة الاسد، فهذا ابن خالتهم، وذاك بن عمتهم ، والثالث بن جارة خالتهم.. بل حتى الذي يوظفونه مستخدما في احدى الدوائر فإنه – في الحد الأدنى – جار خالة بن خالتهم ..!!
في سبعينيات القرن الماضي ..وصل المحافظ وائل اسماعيل الى الرقة "رجل لورا ورجل لقدام"، مستغربا كيف أن صداقته لابن ضيعته حافظ الأسد، شخصيا، لم تشفع له وتبعده عن هذا الشعب المتخلف الهمجي (الذي هو نحن أبناء الرقة)، ولأنه لم يكن يتصور حجم الرزق الذي ينتظره، فإنه تأخر في استيعاب وفهم "حكمة القائد المناضل البطل ثاقب النظر حافظ الأسد"، فالرجل دخل الينا من باب "التنغيم والدربكة"على حسّنا العشائري، فأعلن فور وصوله أنه ابن عشائر، وفتح أبواب مكتبه لشيوخ العشائر ليقضي لهم طلباتهم، وهم بالطبع لا ينسونه، والرجل (كي لانظلمه ..!!) لم يراكم ثروة طائلة نتيجة سنوات خدمته بيننا، فكل حصيلته كانت عددا من سفن الشحن التي تجوب موانئ المتوسط، وبعض عشرات ملايين الليرات – يوم كان لليرة السورة قيمة وصولة – وفرها من راتبهالشهري (..!!).
ولله والتاريخ كان"بعبعا" للأجهزة الأمنية التي يقف رؤساؤها مثل"التوتو" قدامه، لهذا لم نكن نعاني منهم، كما حدث في المقبل من الأيام التي تلت نقله.!
من مآثره – التي لاننساها – بناء الجسور والطرق (!!)، ومن يقرأ سجلات الدوائر المختصة، يجد أن عدد الجسور الطرقية في الرقة، يفوق عددها في لوس أنجلوس وطوكيو مجتمعتين، وأن الطرق "المزفتة" يفوق طولها طرق الخليج وفرنسا، مع فارق بسيط لا يستحق الذكر، إذ دائما تقتلع السيول جسور الرقة وزفت طرقها، بل حتى أنه ذات عام أمحلت ولم تنقط السماء نقطة ماء واحدة، ومع ذلك فإن السيول جرفت طرقا وهدمت جسورا..!!
كل ذلك لأن سيادته اخترع طريقة جديدة لبناء الجسور وتزفيت الطرق، ومن ثم إلباسها طاقية الإخفاء، إذ تتم دراستها وتعهيد بنائها واستلامها أصولا واستخدامها لفترة وتمرير السيول فوقها .. كل ذلك يحدث على الورق في غرفة صغيرة في فيلته..!!
في ثمانينيات القرن الماضي، بذل محمد سلمان المستحيل كي لا ينقلونه محافظا للرقة، الى درجة ان معلمه وصهره اللاحق علي دوبا – الذي كان يبقر بطون المعتقلين متلذذا – لم يستطع اقناع حافظ الاسد بإبقائه في دمشق. ولأن أمه دعت له في " ليلة القدر" فقد ترافق وصوله – والدمعة في عينيه- مع تدمير مدينة حماة وما تلاه من تغول أمني، لهذا فإن الرجل ما أن وضع قدميه في الرقة، فإنه لم يفوت الفرصة، فأصبحت المدينة كلها مطلوبة للأجهزة الامنية..كلنا اصبحنا اخوان مسلمين ومن بعث العراق..ولا يفلت من التهمة الا مقتدرا جيوبه ممتلئة دائما..!! .
ولأننا "متخلفون وهمج" فقد عمل " سيادته"على تعريفنا بالورود الى درجة أننا منحناه طوعا لقب " أبوالورد"، رغم معرفتنا أن كلفة الوردة في حديقة من حدائقه التي دشنها، كانت تعادل كلفة حدائق التويليري ذاتها.. ويحسب له حرصه على بناء المدارس، وتعهيد بنائها "للشطّار" الذين يسلمونك الصف المدرسي الواحد في قرية نائية بكلفة تعادل كلفة برج خليفة (..!!)، بل وزاد على هذا أنه كان يستجلب المعلمين من قريته والقرى المجاورة ويعينهم في هذه الصفوف، دون أي حاجة للدوام فيها، تاركا ألمعلمين من أبناء المحافظة في حالة بطالة كبرى .. وفي زمنه – أيضا – عرفنا تجديد الارصفة مرتين في العام الواحد، وهذا ما يفسر بقاء شوارع المدينة في حالة غليان دائم..!!.
أما رؤساء أفرع الاجهزة الأمنية الذين يتم نقلهم الينا، فهؤلاء ينتعشون، أو يرضون بالفتات، وذلك حسب قوة المحافظ، ومدى سطوته وعمق علاقاته مع أصحاب"الكروش" في العاصمة، فهم في زمن المحافظين الأقوياء، قانعون "يقنصون عالهسي"، لكنهم يتصدرون المشهد في أزمنة المحافظين من خارج"عظام الرقبة"، وعندها تنهال عليهم النعم من كل حدب وصوب، فتراهم يرفعون سعر الموافقة الامنية للحصول على وظيفة، أو لإقامة حفل عرس، او لافتتاح محل فلافل حيث يصبح سعرها قاصما للجيب، وهذا من أسباب ارتفاع سعر" خلو " تبؤ منصب رئيس فرع امن سياسي او جنائي او عسكري او أمن دولة في الرقة الى عشرات ملايين الليرات ..!!.
وقد برز منهم ثلاثة منهم لا يمكن لأهل الرقة نسيانهم (عزيز وبدر والدربولي)، ويستحقون وقفة أخرى تفصيلية، كيف لا وهم من صنفنا نحن أهل الرقة في جداول الرجعيين أعداء التقدم والاشتراكية وقائد الوطن ..؟؟!!.
هل عرفتم لماذا يبكون حين تفشل محاولاتهم في ايقاف نقلهم الى الرقة، وحين يصبح نقلهم منها قدراً لا مفر منه فتشكل دموعهم التي توقفت في محاجرهم – حين أتوا – سيلا مدرارا ..!!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.