رغم أن القائمين على إعلام النظام السوري، يقرون ويعرفون -ضمناً- تفاهة خطابهم الإعلامي وسذاجته، ومعرفة العالم أنه إعلام كاذب، فقد بث التلفزيون السوري، في الأشهر الأولى من قيام الثورة السورية، تقريراً تحدث فيه شاب متحسراً على الأمان المفقود في ظل الثورة، ومنزعجاً من أن حضرة جناب أخته الشابة "النعنوعة" لم يعد بمقدورها العودة لوحدها إلى المنزل الساعة الثالثة فجراً كما كان حالها قبل الثورة!
وتوضيحا لمصداقية (!!) هذا الشاب "الكربوج المنعنع" سأروي له ولكم هذه الحادثة التي جرت معي تحت وهج شمس الرياض الحارقة، عساه يعرف بعضاً مما كنا ندفعه حين كانت أخته تعود إلى البيت بعد سهرة "تخل العقل" في ليل دمشق العليل!
يا مرحوم البي وعمر السامعين يطول.. في الأشهر الأولى من قيام الثورة، وبعد خروجي من المعتقل، حيث اعتُقلت لأيام، وكان يمكن لوساطة وجيه مع بعض المال أن تخرج معتقلا "عفطوه" وهم يعرفون براءته، تمكنت يومها -فور خروجي- من تدبير موافقة للسفر إلى الرياض، و"فركتها" مغادراً سوريا إلى اليوم.
وما زلت حتى الساعة أتلفت يميناً وشمالاً خوفاً من المساعد الذي "لبطني" بصدري "لبطة" أطاحت بي، أتبعها بـ"بوكس" محترف أطار الشرر من عيوني.
هناك في الرياض.. التقيت صديقاً وجيهاً في قومه ميسور الحال من حلب الشهباء
-التي صارت اليوم أثراً بعد عين بفعل صواريخ طائرات الأسد والروس -وحرصاً منه على إخراجي من حالة الملل والروتين اليومي، حلف علي بأغلظ الأيمان أن أرافقه في جولة لشراء قائمة طلبات يحملها ليعود بها إلى حلب سالماً.. وكي لا تطول السيرة سأحدثك -يا شقيق الصبية التي كاااانت تعود الساعة الثالثة فجراً إلى البيت- فقط عن قائمة مشتريات صديقي!
بدأنا جولة "الشوبينغ" من أسواق الهرم الـ"نص نص" حيث اشترينا قمصاناً وبناطيلَ من قياسات متعددة فاقعة الألوان للمساعد أبو كفاح وأولاده، والذي سيكون أول مستقبلي صاحبي في مطار حلب، حاملاً ختم الدخول بيده، يبش وجهه إن رأى كيس القمصان والبناطيل، وإلا فإن صاحبي سيقف في طابور العائدين لساعات، وربما يطلع له من عالم الغيب طلب مراجعة لأحد الأفرع الأمنية، يخرج قلبه من مكانه ويوقف وجيبه ربما!
في المول نفسه دخلنا قسم "اللانجوري" الرخيص المقلد، وهناك فاجأني صاحبي بمعرفة قياسات كيلوتات وشلحات وجوارب الحرم المصون لسيادة النقيب أبو نضال، الدمث المتواضع الشبعان (!!) الذي لا يهمه في حياته، إلا راحة زوجته، التي لولاها لكان فرزه الوظيفي في منطقة في أقصى البلاد، حيث لا نفع ولا استنفاع مما يجود به الأجاويد! فرزته الزوجة الحنون، دون أن يدفع أجرة خلو للمكان الوظيفي في المطار، مسؤولاً عن قسم مهم فيه، فالمستورة جميلة، وفي ريعان شبابها (!!) ونقلاً عن جاراتها فإنها تمت بصلة قرابة، على ذمتها، بالعميد أبي حيدرة -سنأتي على ذكره لاحقاً- الذي لا يبخل عليهم بزيارة بين الفينة والأخرى ليطمئن عليهم، خاصة في أيام مناوبات النقيب أبو نضال!
بعد جولتنا في أسواق الهرم، انتقلنا إلى برج المملكة، وتنقلنا في محال الأحذية والهواتف والعطور، وهناك اشترى صاحبي ثلاثة "أيفونات" لأبناء أبو بعث الثلاثة كل منها بلون يختلف عن مثيله.. كيف لا وأبو البعث رئيس فرع أمني لا بد وأن يحتاجه صديقي في وساطة لإخراج فلان أو علان من قومه، إذا ما صادف أن "عفطوه" من مظاهرة، أو كتب فيه زيل له تقريراً يوصله إلى زنزانة منفردة ينسونه فيها برفقة فئران وحشرات، وحكة دائمة بسبب الجرب والقمل اللذين سيرافقه في الزنزانة.
بقية قائمة الهدايا (!!) انتقيناها من محال الفيصلية و Centria mall وهي عبارة عن مجموعة عطورات رجالية ونسائية من "لابريري" و"استي لودر" و"شانيل" و"رفيفير" وغيرها (اسق على أيام علبة مكي اللي كانت المنقذ الأشهر لنساء البلد في عيون أزواجهن)، إضافة إلى مجموعة أحذية من Prada و Paul Smithو Gucciو Emanuel Ungaroو Givenchy وهذه لأبي حيدرة رجل الأمن الأول، ولسيادة المحافظ، ولأمين فرع حزب البعث، وزوجاتهم وأولادهم بالطبع، فهؤلاء يعرفون قيمة الأشياء، ويعرفون الأصلي من المزيف، وكل الحق طبعاً على أهل حلب، الذين علموهم على هذه العطور والأحذية، حتى صاروا يلقون بعطور وكولونيا "كرزة" المنعشة، وأحذية "كبة" و"الأزرق" المتينة بسلال المهملات، إذا ما صادف أن أخطأ أحد "زبائنهم" وتذكرهم بهكذا هدايا vulgaire.
خرجنا أخيراً إلى سوق السجاد لشراء سجادة أبوحافظ، التي أتعبنا البحث عنها، لأنه مصرّ على أن تكون نفس السجادة التي في الصورة التي التقطتها زوجته في بيت أبي بعث، و"ما حدا أحسن من حدا" و"خليها هالمكيودة" زوجة أبو بعث تموت وتطق كمان.. "لكن شو جاب لجاب ولك لو طلبت لبن العصفور"، فإن أصدقاء بعلها أبوحافظ سيأتونها به بالأطنان المطنطنة!
المهم يا مرحوم البي "تك" صديقي يومها أكثر من أربعين ألف ريال سعودي "ريال ينطح ريال" وكله "منشان" أختك ترجع الساعة الثالثة فجراً، لكن لا أخفيك أيها الشقيق "العتريس" أبو خدود ريانة، أنه إذا كان النحوي أبو زكريا الفراء (والبعض يقول إنه سيبويه) غادر دنيانا وفي نفسه شيء من حتى لأنها ترفع وتنصب وتخفض، فإنني سأغادر هذه الدار الفانية وفي نفسي حسرة على عدم معرفة نوع ونمرة السيارة التي تعود بها حضرة جناب أختك المحترمة جدااااااا، وما إذا كانت من سيارات أبو ثائر أم أبو كفاح أم أبو نضال أم أبو حيدرة أم أبو البعث أم أبو حافظ؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.