في البدء كانت خديجة تسطر قصة الحب الخالدة، تتلقى صاحب الرسالة السماوية، تحوطه بذراعيها؛ تهدئ من روعه، تدثر قلبه بكلماتها، بإيمانها به. الذي بدأ يوم أهدته روحها. راحت سيدة نساء الجنة تكتب لمن بعدها أبجديات الحب الأبدي، وتنسج من خيوط العشق ما لا تحصيه اللغة. تُقاسم أبا القاسم الألم، وتبذل في سبيل رسالته المال والجهد، تدخل معه شِعب أبي طالب "فترة من الحصار أو الاعتقال كما نقول بلغة عصرنا"، تنفق مالها في إعانة أهل الحصار، تقوم على خدمته وخدمة رفاقه، تشاركه الجوع وتمضي بلا كلل ولا ملل؛ لتزيل عن جبينه عناء رحلتهما الطويلة..
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "إني رُزِقت حبها". كانت خديجة -رضي الله عنها- رزقُ الله لرسوله من الحب ونصيب قلبه، وكانت من بعدها نساء يقتفين أثرها، ويقاسمن حملة الرسالة عناء الرحلة ومشقة حمل الأمانة.
فتيات من هذا الجيل المحاط بسياج الوجع، ما اخترن وهج الدنيا وزينتها، بل اخترن طريق خديجة ووجهتها.
"محمود وهبة"- و"أبرار العناني"، محمود من أبناء المنصورة، حُكِم عليه بالإعدام هو و7 آخرون، بعد أن أحيلت أوراقه إلى المفتي في قضية قتل حارس عضو الأمن في قضية "الاتحادية" التي كان يُحاكم فيها الدكتور"محمد مرسي". وهو الطالب المتفوق بكلية الهندسة قسم الميكانيكا، يُعتقل في السادس من مارس 2014 لتنقطع أخباره عن أهله، حتى ظهر بعدها في فيديو بثته "وزارة الداخلية المصرية" أُجبر على الاعتراف فيه بقتل الرقيب "عبدالله المتولي"، وقد ظهرت عليه آثار التعذيب الشديد وحكم عليه بالإعدام.
و"أبرار علاء العناني": طالبة بكلية التجارة جامعة المنصورة، تم اعتقالها من داخل مبنى الجامعة تحت إشراف رئيس الجامعة في 12 فبراير 2013، وأُودعت سجن المنصورة العمومي، ووجهت إليها تهم الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين "المحظورة"، والتظاهر ضد مؤسسات الدولة، والعمل على تعطيل القانون، والهتاف ضد السيسي، وإحداث تلفيات بالعربات الموجودة داخل الجامعة، والعمل على تعكير السلم والأمن العام، ثم تم إحالة القضية إلى محكمة الجنايات التي قضت في الـ21 من مايو 2014 وتم الحكم عليها بسنتين، حتى تم الإفراج عنها في 12 نوفمبر 2015.
حكاية حب أخرى
وُلِد الحب بعد ميلاد ثورة يناير بعام "محمود مرضي عبدالوهاب": الطالب بكلية الهندسة يخطب "أميرة مجدي": الطالبة بكلية الصيدلة. ثلاثة أعوام من الحب والثورة يُعِدان فيها لبناء بيتهما، لم يَدُر بخلدهما ذات يوم أن يتبدل الحال هكذا؛ بعد ثلاثة أعوام من الخِطبة يأتي "الانقلاب الدموي" ليصبح الطالب الثائر الحر رهن الاعتقال. فيُخطف الشاب في الثاني من أبريل/نيسان 2014 وتُلفق له التهم المضحكة.
لم تقف حكايا المحبين عند من ذكرناهم، وإنما سجون مصر تحمل بين عتماتها آلافاً من القصص الأسطورية، أشرقت قلوب أهلها بنور الحب، ولم تخلد إلى الأرض أرواحهم، وإنما تسامت وارتقت لتمضي على ما مضى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخديجة -رضي الله عنها-.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.