الأكراد واحد من الشعوب القديمة في منطقة الشرق الأوسط، وبلاد الأكراد، كردستان، منقسمة من الناحية الجغرافية بصورة رئيسية على أربع دول هي إيران، سوريا، تركيا، والعراق. والأكراد في كردستان حالها حال بعض الشعوب مرت بويلات الغدر والاضطهاد من قِبَل حكومات دولها؛ لذلك قامت العديد من الثورات الكردية في أجزاء من كردستان بهدف تشكيل أقاليم كردية مستقلة.
وآخرها كان إقليم كردستان العراق في تسعينيات القرن الماضي. وكما كان الحال عبر التاريخ -وما زال- في بعض الثورات التي أسقطت حكوماتها المستبدة وتسلمت مقاليد السلطة، فالسنوات الأولى انقضت في كردستان العراق بالمعارك بين الأطياف والأحزاب الرئيسية من أجل الحصول على سلطات ومناصب أكثر وبالتالي ثروات أكثر! وذلك بسبب التغيرات التي حدثت في القوانين والتشريعات التي استحدثت حسب المصالح الحزبية والطائفية وتأثيرات دول الجوار وبعض الدول الغربية.
وبعد أن هدأت تلك النزاعات وبدأت تشكيل الحكومات التي مثلت الجماهير الى حد ما، بدات تلك الحكومات وعود بناء أمة حديثة للأنتقال بالمجتمع من الظلم والأستبداد الذي عانى منه على مر السنين الى حرية الفكر و الحياة الأفضل له' ولأجيالهِ القادمة .
ولكن ما حدث هو أن ذلك الانتقال لم يشمل الجميع بنفس المقدار؛ لأن الحزبَين الرئيسين اللذين توالا على السلطة والمناصب الرئيسية في الإقليم على مدى أكثر من اثنين وعشرين عاماً ركزا على مصالحهما الشخصية والحزبية بالدرجة الأساس، ثم على الموالين والمناصرين لهما، وبعد ذلك أعطيا الفُتات مقارنة بما يكسبان للشعب، بنفس وتيرة النظام السابق من حيث توزيع الثروات، ولكن الفرق الوحيد هو تعدد الأحزاب المستفيدة في الوقت الحاضر.
صحيح أن الأمور المعيشية للناس في إقليم كردستان تغيرت خلال الفترة الوجيزة السابقة نحو الأحسن مقارنة بالأوضاع قبل الثورة أي قبل تسعينيات القرن الماضي، ولكن الناس في ذلك الوقت قاموا بالثورة من أجل حياة أفضل لهم ولأبنائهم، ولكي تصبح خيرات إقليم كردستان لأهلهِ جميعا، وليس حصة الأسد لمجموعة منهم والفُتات للبقية!
حيث كانت وما زالت المراكز الجمركية الحدودية في إقليم كردستان العراق من أهم مصادر الدخل الذي كان يتنافس عليه الحزبان الرئيسان بطريقة أصبحت كردستان مقسمة بين الحزبين الرئيسين بعد المعارك الطاحنة التي دارت بينهما خلال السنوات التي تلت استقلال كردستان عن الحكومة العراقية السابقة، بحيث أصبح خيرات كل قسم من القسمين فقط للحزب المُسيطر وذات النفوذ الأكثر في ذلك القسم، وبعد اكتشاف النفط في كردستان العراق، ازداد التنافس بين هذين الحزبين للحصول على الأكثر بطريقة أصبحوا يستنزفون موارد كردستان الطبيعية دون التفكير في المستقبل.
إن أنخفاض أسعار النفط ومشاكل الإقليم مع الحكومية العراقية المركزية والحرب ضد داعش.. كل هذا أدى إلى كشف حقيقة أن حكومة الإقليم طوال السنوات الاثنين وعشرن الماضية، ومع كل هذه الخيرات والإمكانات لم تفكر في أن تدَّخَر ولو جزءا مما كان "تشفطَهٌ" للحيلولة دون الوصول إلى يومٍ كهذا.
فالوضع المتردي يوماً بعد يوم، والذي يعيشه أكثر من ثلث الشعب الكردي والذين هم من الطبقة المتوسطة العاملة لدى القطاع الحكومي في كردستان العراق، أدى إلى شلل في معظم المرافق الحياتية بصورة عامة منذ أكثر من عام، وأصبحت كردستان تعيش الآن كما كانت في تسعينيات القرن الماضي. علماً بأن الطبيعة الجغرافية والموارد الطبيعية والبشرية للإقليم والمئات من مليارات الدولارات التي دخلت الإقليم خلال العشرين سنة الماضية من الحكومة العراقية والمراكز الكمركية والنفط المُصَدّر وباقي العائدات الداخلية كانت لتجعل من هذا الإقليم الصغير ذي الأربعة ملايين نسمة أحسن بمرات من دولة سنغافورة لو كان لديهِ فقط قادة أوفياء ومخلصون للشعب.
وما يثير السخط الآن هو عدم اعتراف هذه الأحزاب بأخطائها وتقديم هذه الحكومات لاستقالتها، بل على العكس يريدون الآن أن يجدوا حلولاً" لأمورٍ كان يجب حلَّها قبل أكثر من عشر سنوات، إذ بات الآن حلها من الأمور المستحيلة في ظل عدم وجود الشفافية والوضوح والحلول الجذرية في نظام الحكم الآن في الإقليم، وعدم استعدادهم لإرجاع جزء من الأموال المتكدسة في حساباتهم الشخصية في البنوك الأجنبية والتي هي خيرات هذا البلد.
إن الاستمرار باستنزاف الثروات وإقرار الحكومة ببدء الإصلاحات الجذرية على حساب الطبقة المتوسطة والفقيرة فقط يزيد الطين بَلَّة، ويوسع الفرق بين الطبقات بحيث لا تبقى طبقة متوسطة ويُرَجِع إقليم كردستان العراق إلى الوراء بدل النهوض بهِ كأمة حديثة كما وعدوا الناس عندما أتوا للسلطة، وكما قال علي الوردي: "إن االغنى الفاحش والفقر المدقع رذيلتان اجتماعيتان، ولا تنهض أمة حديثة وفيها هاتان العورتان".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.