مصر وخلطة التنمية بالفساد والاستبداد

وكنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أنه إنما يعتصر الفقراء والطبقة الوسطى بإجراءاته ذات الطابع الاقتصادي، مستجديا إياهم: اتبرع ولو بجنيه، بينما وفي ذات الوقت "ينفخ" ما يعتبره الفئات "أ" من الشعب: الجيش والشرطة والقضاة وجوقة الإعلاميين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/01 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/01 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش

"التنمية حرية".. هو عنوان أحد أشهر كتب أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، البنغالي الأصل "أمارتيا صن" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998، وهو في ذات الوقت معنى يبدو أن نظام السيسي في مصر لم يستوعبه جيداً.

فالرئيس الذي دشن رؤية لتنمية مصر حتى عام 2030 في خطاب ألقاه يوم الأربعاء 24 فبراير 2016، أثار كثيراً من اللغط والتعليقات الساخرة، ولأن أمر التنمية في مصر أمر حياة، إذ عبر التنمية الحقيقية يمكن لمصر أن تحقق حلم المصريين منذ جلاء الحملة الفرنسية عنها عام 1801 في تحقيق النهضة والاستقلال، وهما الغايتان اللتان صبت فيهما عصارة أفكار ودموع ودماء المصريين منذ ذلك الحين دون أن نصل إليهما حقاً وصدقاً، فبعد أن أجهضت مشاريع محمد علي وحفيده الخديو إسماعيل، أخذ المصريون يصعدون ذاك السلم درجة درجة حتى قبيل انقلاب عام 1952، والذي سمي بعد ذلك بالثورة، والذي بدأ معه سقف طموحات وأحلام المصريين في الصعود، الذين غفلوا عن طبيعة النظام العسكري الذي احتكر الثروة والسلطة على مدى أكثر من ستة عقود، وهو النظام الذي ثار عليه المصريون يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011، إلى أن استعاده العسكر كليا يوم 3 يوليو 2013.

وبعيدا كما قلت عما أثاره الخطاب من لغط أو سخرية، فإننا بحاجة إلى طرح دعاوى نية النظام في التنمية من حيث أصل وجودها:

ولأن التنمية حرية كما قلنا، وهي أيضاً قبل أن تكون رؤى وخططاً واستراتيجيات فهي مناخ مهيأ أو مناوئ، فقد كنا نستطيع أن نصدق السيسي في رغبته في تحقيق التنمية لو كان قد لبى رغبة بعض حَسَنِي أو سيئي النية الذين تدثر بهم يوم 30 يونيو 2013، في الحفاظ على جوهر الحرية والديمقراطية التي كانت من غايات ثورة 25 يناير، لكنه اختار في الحقيقة أن يقتلع جذورها، ليعود ليبشرنا بأن أمامنا 20 أو 25 عاما آخرين حتى نستعيدها.

وقد كنا نستطيع أن نصدق السيسي لو لم يكن نظامه مؤسس على التحالف مع الخارجين على القانون من اللصوص والفسدة والبلطجية والقتلة المأجورين.

وكنا نستطيع أن نصدق السيسي لو لم يكن قد بالغ في الظلم قتلا، واختطافا، وتعذيبا، ليس فقط لخصومه السياسيين من الإخوان والمعارضين والثائرين، بل وحتى لمن أيدوه يوما من فئات الشعب غير المسيسة، حتى رشحت صفة الإجرام على أركان نظامه الذين من المفترض أن يلزموا الناس بالقانون، ويحافظوا على أمن المواطنين.

وكنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أنه يبشرنا في خطاب الأربعاء بأنه "لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، مع أن التنمية كما هو حرية فهي أيضا مشاركة، ومن ثم لا تنمية برؤية أحادية.

وكنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أنه يسوق الناس بالكرباج بالخطوة السريعة محيلا دولة من 90 مليون إلى "عسكر في المعسكر"، تحت إمرة القائد الأوحد.

وكنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أنه إنما يعتصر الفقراء والطبقة الوسطى بإجراءاته ذات الطابع الاقتصادي، مستجديا إياهم: اتبرع ولو بجنيه، بينما وفي ذات الوقت "ينفخ" ما يعتبره الفئات "أ" من الشعب: الجيش والشرطة والقضاة وجوقة الإعلاميين.

وكنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أنه لم يحاسب صف عسكري أو أمين شرطة أو صول، فضلا عن ضابط ممن قتل أو عذب أو اختطف إنسانا بريئا منذ قتل خالد سعيد وسيد بلال وحتى سائق الربع نقل محمد علي مرورا بشهداء الثورة ورابعة وغيرها.

كنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أنه بأفعاله يصرف الناس عن التفكير في أن يعطي النظام مليما لا جنيها واحدا (باستثناء بهاليله وهم في تناقص)، لقد كان الشباب صبيحة يوم 25 يناير على استعداد أن يعطي من دمه لا من ماله فقط للوطن، لكن أفعاله وأفعال زملائه السابقين والحاليين من أعضاء المجلس العسكري الموقر، جعلت الشباب يكفرون بالنظام ولا أقول بالوطن، فالوطن أكبر وأبقى منهم جميعا.

كنا نتمنى أيضا أن نصدق السيسي لولا تيار الاحتكار الاقتصادي الذي تمارسه القوات المسلحة الآن ومن خلفها ومعها وبجوارها حلفائها من رجال الأعمال في الداخل، والإماراتيين وغيرهم من حلفاء الخارج (وما يحدث في القطاع الطبي عن ذلك ببعيد)، فليس بالاحتكار الاقتصادي تتحقق التنمية.
كنا نتمنى أن نصدق السيسي لو أننا رأينا عملا واحدا من أعماله يصب في مصلحة تنمية نصف الشعب المصري القابع تحت خط الفقر، فلا تنمية للوطن دون تنمية للمواطنين.

كنا نتمنى أن نصدق السيسي لولا أن أعماله وتصريحاته وأركان نظامه تهدم كل علاقات مصر الخارجية التي يمكن أن يعتمد عليها في جلب استثمارات خارجية لبعض مشاريعه.

أعلم أن لديك يا سيسي مجالس للمستشارين في مجالات عديدة، لكن مشاريعهم واستراتيجياتهم لا تتحرك في الفراغ، ولن تعمل في ظل بيئة تقتل أي أمل في أي تنمية تحلم بها، فأي تنمية إذا هذه التي تتحدث عنها مخلوطة بطين الفساد والاستبداد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد