وجد نفسه بليداً في حواسه، ولا يشعر بشيء تجاه أي شيء. سمع أحدهم يتكلم عنه بسوء، ولكنه لم يشعر بأي شعور تجاهه، حتى عنفه المعروف عنه لم يظهر. حرَّك جسمه واستغرب أن بإمكانه تحريك جسده فلماذا لم يتولد بداخله أي شيء تجاه هذا أو ذاك. فجأة سمع صوتاً مزعجاً، ولكنه لم يشعر بأي ذعر، ولكنه حاول أن يعرف مصدر الصوت. اتجه صوب النافذة، كان الأمر مريعاً ما يشاهده أمامه، ولكن الأمر بدا كذلك بكيفية تشكل الأشياء التي يراها والأشخاص الموجودين في المكان، ولكنه لم يشعر أن الأمر مهيب.. لم يشعر أن الأمر مخيف أو مقلق.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، طرح بعض الجراحين النفسيين حلاًّ لإزالة العنف من المجتمع. كانوا من جامعة هارفارد وكان الحل عنيفاً وعلميًّا وما زال مستخدماً، ولكن بقلة جدًّا. قبل أن نخوض في الحل لتكن لدينا بعض المعلومات حتى نفهم ما كانوا يقومون به.
الدكتور والعالم العصبي بول ماكلين، طرح نموذجاً للعقل يسمى العقل الثلاثي، وبذلك يقسم العقل إلى ثلاثة أقسام. العقل الذي نشترك فيه مع الزواحف، وهو الذي يتحكم بالوظائف الجسمية المهمة مثل التنفس وضربات القلب، إلخ. ثم لدينا ما يسمى بالفص الحوفي وهو ما يسمى بالإنجليزي "ليمبك سيستم" وهو معقد جدًّا وهنا أساس المشاعر. فعندما يقول الشخص إن العقل يفكر والقلب يشعر، في الحقيقة العقل الذي يشعر هو هذا الجزء والذي يفكر هو الجزء الثالث وهي القشرة الحديثة.
بهذا، يجب أن نعرف جيداً أن الفص الحوفي مكون من أجزاء كثيرة ومتداخلة بطريقة عجيبة، وأيضا هناك ترابط مبهر بين الأجزاء الثلاثة.. إذا نظرنا بدقة أكثر في الفص الحوفي سنجد "الأميقدالا" أو كما تمت ترجمة الكلمة إلى "لوزة المخيخ". هذا الجزء مسؤول عن إعطائنا القدرة على الشعور بالخوف، القلق، الاضطراب، كذلك إظهار العدائية والعنف. (عمل هذا الجزء لا ينحصر على ما ذكر بل هو مهم في أشياء كثيرة جدًّا وما زال عقل الإنسان وكذلك عقول الحيوانات أهدافاً لكثير من الأبحاث، ودائماً ما نزيد انبهاراً بما يتوصل إليه العلماء في شتى مجالاتهم) بعض مرتكبي الجرائم البشعة من غير تفسير منطقي، يظهر عند بعضهم وجود ورم في هذا الجزء إثر تشريحهم بعد الموت.
ما طرحه الجراحان النفسيان (فيرنون مارك: جراح أعصاب وفرانك إرفن: طبيب نفسي) من هارفارد كان مخيفاً، والشعور الذي قد يتولد لديك، عند معرفة أنهما قالا إنه من الجيد استئصال هذا الجزء من المخ عند الذين يُظهرون بعض العدائية كحلٍّ للعنف، هو شعور بالقلق.. والذي لا يستطيع أن يشعر به من ثم إجراء هذه العملية عليه. توصلا إلى ذلك بعد أن قاما بتجارب على بعض الحيوانات ولاحظا أن مستوى العنف عند هذه الحيوانات ينخفض بشكل ملحوظ جدًّا أو حتى يختفي. بالمعلومات التي كانت لديهم، كانا يأملان أن يقللا العنف والعدائية الخارجة عن السيطرة في الذين يعانون الصرع الذي يتولد في الفص الصدغي.
ما هو مخيف حقًّا أنه مع مرور الوقت، بعض المحاكم كانت تمرر أحكاماً بإجراء عمليات مفروضة قانونيًّا على بعض المتهمين أنهم يظهرون العنف أو في داخلهم عنف كامن قد ينفجر في أي وقت بطريقة مخيفة. وهذه الخطوة مخيفة جداً، وخاصة عندما تكون سلطة القانون في أيدي من لا يجيدون العلم ولهم أهدافهم الخاصة. يعلق روبرت سابولسكي قائلا إن هذه العمليات الجراحية قد تخفض من مستوى العنف وتخفض من كيانك الإنساني بشكل هائل وقد لا تبدو إنساناً حتى.
العلم هدفه البحث ومحاولة إيجاد أفضل الوسائل لتقويم ما قد يبدو أعوجَ وتحسين ما هو قابل للتحسين، ولكن العلم كغيره عندما يستخدم لغرض التحكم بالناس أو تطبيع نمط واحد على المجتمع قد يستخدم في غير موضعه وقد يستخدمه من لا يعرف العلم حتى ولكنه وجد شيئا يتكئ عليه حتى يستمر في القمع.
لا يزال الجدل مستمرًّا حول استخدام هذه الأساليب في العلاج السلوكي بقبول من المريض. كثير من علماء الأعصاب وكذلك علماء النفس لا ينصحون بمثل هذه العمليات الجراحية لعلاج بعض السلوكيات غير المرغوب بها، إلا إذا ظهر ورم خبيث قد تضاعف المشكلة. عدد العمليات الجراحية التي تهدف لإزالة لوزة المخيخ قليلة جدا وتقوم بها مراكز حول العالم حتى في علاج بعض أنواع الصرع وحتى الوسواس القهري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.