المتابع لمجريات الأحداث على الساحة السورية ومحيطها يدرك أننا نسير في اتجاه مواجهة متوقعة بين حلفين متناقضين لكل حساباته ولكل مصالحة، بعد التطور الخطير على جبهة حلب وتراجع قوى المعارضة السورية وتقدم قوات النظام المدعومة بقوات إيرانية وميليشيات شيعية ودعم جوي روسي.
وفي ظل تقدم قوات سوريا الديمقراطية الكردية والمتواطئة مع النظام، وتوغل داعش الذي يعمل لأجندته الخاصة، والتي تصب في نهاية الأمر لصالح النظام السوري، مما أوجد بيئة مساعدة لتبلور كيان كردي يعمل كمنطقة فاصلة بين العرب السنة في شمال سوريا وبين تركيا (عمقهم الإستراتيجي وحليفهم الأكثر حماساً)..
من جهة أخرى استمرار تراجع قوى المعارضة وانكسار الثورة يعني أن تصبح دمشق وسوريا امتداداً للحديقة الخلفية لإيران من خلال العراق وهو ما يعني تشكل الهلال الشيعي ليشكل طوقاً على جزيرة العرب.
من هنا كان لا بد من تحرك سريع وجريء لإنقاذ قوى الثورة السورية في الشمال وهو ما انتبه إليه السعوديون متأخراً بعدما ملت تركيا من التحذير من مخاطر الدور الإيراني والروسي في سوريا، وبالتالي نجد الخطوات السعودية متسارعة وجادة في وقف هذا الزحف الشيعي الأرثوذوكسي الروسي والذي يهدد بتغيير ديمغرافيا المنطقة بأسرها (يعني العراق وسوريا).
ما فرص نجاح التحرك السعودي التركي؟
يمكن القول إن إمكانية نجاح هذا التدخل محتملة، وإن لن تكون بالشكل المطلوب؛ وذلك لأسباب ترجع للتواجد الروسي القوي في سوريا من جهة، ومن الموقف المتردد لا بل خذلان تواطؤ أميركا التي تعمل لأجندتها الخاصة، والتي تراعي حسابات إسرائيل ابنتها المدللة من جهة، ومشروعها الخطير والداعم لتشكيل كيان كردي في الشمال السوري.. لكن إصرار تركيا والسعودية بدعم مجموعة لا يستهان بها من الدول الإسلامية السنية قد يفرض على الإدارة الأميركية التراجع للخلف قليلاً على الأقل في الملف الكردي ولعلها تجد نفسها في موقف يفرض عليها أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه التدخل الروسي بعدما أصبحت الإدارة الأميركية متهمة من حلفائها في الشرق والغرب بإدارة ظهرها لهم في المواقف الحرجة منذ تولى باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة.
وأما إيران فإنها ستبدأ باتخاذ خطوات للوراء والاختباء وراء الموقف الروسي بعدما انفضح أمرها في المنطقة وتكشفت خططها وعلى ألسنة قادتها الذين ما فتئوا يتفاخرون بإنجازاتهم على الساحة العربية وامتداد تأثيرهم لآلاف الكيلومترات عن إيران، أما روسيا فقد تحاول التفاهم مع الحلف السعودي التركي والاكتفاء بحماية دمشق ومدن الساحل طرطوس واللاذقية.
وأما تهديدات "ميدفيديف" من احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، فإنه لا يخرج عن دائرة التهويل والتهويش لإخافة الأطراف الأخرى.
أما على الأرض، فإن القوات السعودية وحلفاءها سيسعون لتوسيع مناطق المعارضة السورية، من خلال مناطق داعش والاتحاد الديمقراطي وسيتركون الثوار يتصدون لقوات النظام وحلفائه في المناطق الثانية مع احتمال تسليحهم بأسلحة نوعية تساعدهم على استرداد المناطق التي فقدوها في الأيام الأخيرة،وبالتالي يعود التوازن للساحة السورية وتنطلق المفاوضات بين الأطراف من جديد وبموازين جديدة على الأرض.. بعدها يمكن أن يصدر قرار ملزم بوقف إطلاق النار من مجلس الأمن ويتم التعاطي مع المسائل الإنسانية وبدء مرحلة الحلول السياسية.. طبعاً بضغط أميركي وغربي، بعدما شكل تدفق اللاجئين لهم كابوساً مخيفاً أصبح يهدد الوحدة الأوروبية.
السيناريو الأسوأ هو أن تركب إيران حماقتها وتدخل في مواجهة أوسع مع الحلف السني -إن صح التعبير- وهو ما سيمثل مرحلة جديدة في الصراع الشيعي السني العربي ولعل المعركة الفاصلة تكون في "مرج دابق"* بالقرب من حلب "ذي قار"* جديدة مع اختلاف في الأسماء واشتراك في الأهداف والنتائج.
—-
هامش:
* "مرج دابق" معركة وقعت بالقرب من حلب بين العثمانين والمماليك وفاز فيها العثمانيون، و"ذي قار" معركة انتصر فيها العرب على الفرس.