كان لابد لمؤتمر “جنيف 3” أن يفشل

هناك عائق كبير آخر في هذه العملية وهو الفجوة بين النفسية السياسية للنظام والنفسية السياسية للمعارضة، فقد ذهبت المعارضة إلى جنيف بنفسية سياسية ضعيفة كثيراً؛ نتيجةً للضغط عليها وتهديدها من جانب الداعمين الدوليين والإقليميين من أجل حضور المؤتمر، ولتقييدها وقصفها على الأرض من جانب الروسيين والنظام.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/15 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/15 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش

في خطوة غير مفاجئة تأجلت محادثات "جنيف 3″، وألقى جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، بعبء التأجيل على كاهل المعارضة. يبدو أن كيري يعتقد بأن الحملة العسكرية الروسية، التي استمرت خلال المحادثات القليلة والتي ازدادت حدَّةً وقتلت أعداداً كبيرةً من الناس وأخرجت عشرات الآلاف من منازلهم ودفعتهم نحو اللجوء إلى تركيا، هي نتيجة متوقعة للتأجيل الذي سيُدمِّر المعارضة. إن لم تكُن هذه التصريحات مفلِسة أخلاقيّاً، فهي في أفضل الأحوال محاولة للتهرُّب من مسؤولية المذبحة المستمرة في سوريا.

لم تفشل محادثات جنيف 3 في التطوُّر بسبب تعنُّت المعارضة، وإنَّما كانت هناك عوامل تأسيسية تعوق المحادثات منذ البداية، كما أن الفترة السابقة على المحادثات قد كشفت عن الطبيعة الحقيقية للأزمة السورية ولاستجابة المجتمع الدولي لها. كان الدافع الرئيس وراء مؤتمر جنيف 3 هو الوصول إلى صفقة، بصرف النظر عمَّا إذا كانت هذه الصفقة عادلةً أو مستدامة، فيمكن للقوى الإقليمية والدولية الكبرى فرضاً ممارسة ضغط على المعارضة خاصةً، إذ إنها الجانب الأضعف، لإجبارها على قبول صفقة (سياسية).

يتغاضى هذا المنطق عن حقيقة أنَّ الصفقة السياسية لا يمكن أن تكون مستدامة إلَّا إذا كانت مدعومة اجتماعيّاً أيضاً، من السهل نسبيّاً التوصُّل إلى صفقة سياسية نخبوية، ولكن الحصول على التقبُّل الاجتماعي أصعب كثيراً، والشرعية هي مفتاح تحويل حلٍّ سياسي إلى حلٍّ اجتماعي أيضاً، فمدى الشرعية التي تحظى بها الصفقة السياسية في أعين الناس العاديين يُحدِّد استدامتها، وهذا تحديداً هو ما غاب عن أعين المجتمع الدولي، إمَّا عن وعيٍ أو سهواً، في مسرح محادثات جنيف الأخير.

اعتقد المجتمع الدولي أنَّه سيصل إلى صفقة عن طريق إجبار الجانب الأضعف (أي المعارضة) على التنازل عن شروطها المسبقة وخفض توقُّعاتها، ولكن سيكون لهذا المنهج في الحقيقة تأثير عكسي، إذ سيُجرِّد هذا المنهج المعارضة من أي شرعية تتمتَّع بها في أعين شعبها، إذا فشلت في تمثيل طموحات شعبها ومطالبه.

من المفهوم سبب رغبة النظام في أن يُحدِث مثل هذا الاحتمال، فنظام الأسد في النهاية لم يكُن نظاماً يحكم بالتراضي قط، بل هو نظام يحكم بالقوة الغاشمة، فهو يستهدف (ترويض) مطالب شعبه السياسية عبر رفع مستوى المآسي والوحشية التي يوقعها عليه.

وتُثبت حقيقة تكثيف النظام وروسيا لحملتهما العسكرية في أثناء ذهابهما إلى جنيف للسعي المزعوم وراء حل سياسي أنَّهما كانا يحاولان تقليل شعبية المعارضة في أعين الشعب السوري عبر خلق صراعات داخل كتلة المعارضة وإظهارها وكأنَّها فشلت حتى في تحقيق الحد الأدنى من شروطها المسبقة للمحادثات، وهكذا يستهدف النظام بالحملة العسكرية أساساً شرعية المعارضة ووحدتها.

الولايات المتحدة تسعى للوصول إلى تسويةٍ بأي ثمن، هذا المنهج وهذه العقلية هما السببان الأساسيان للأزمة السورية، ومن ثم ينبغي للمجتمع الدولي رفضهما، وسيتطلَّب أي حل دائم في سوريا معارضةً ذات مستوى عالٍ من الشرعية ودرجةً عاليةً من السلطة التمثيلية. وبالتالي ينبغي للمجتمع الدولي السعي لمساعدة المعارضة والحفاظ على شرعيتها وحماية وحدتها، فهذا النوع من المعارضة فقط هو الذي سيحظى بالسلطة اللازمة لعقد صفقة وتنفيذها.

لقد شهدنا اتجاهين منذ مؤتمر جنيف 1، فمن ناحيةٍ قد انكمشت المسافة بين المساهمين الدوليين الكبار في الصراع، أي الولايات المتحدة وروسيا، إذ اقتربت الولايات المتحدة من النموذج الروسي، ما يعطي انطباعاً بأنَّها تعطي الأولوية للعملية على النتيجة، وتسعى للوصول إلى تسوية بأي ثمن.

أمَّا روسيا فعلى النقيض من أميركا، لها سياساتها وأولوياتها الخاصة، ومستعدة لتسخير الموارد والقوة لحمايتها، وقد أسهم هذا إسهاماً جزئيّاً في الاقتراب الأميركي من الموقف الروسي.

وازداد التباعد بين المساهمين الإقليميين في الصراع – إيران، وحزب الله، وتركيا، والسعودية، وقطر – من ناحية أخرى، ما يجعل هذا الصراع خطراً للغاية، قد تختار الأطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة التي تشعر بأنَّها قد نُبِذت اتِّباع طريق خطير.

والولايات المتحدة بحاجة إلى الانتباه إلى خيبة أمل حلفائها وإحباطهم، وإلَّا ستكون هذه الهوة بين الدول الإقليمية حول تسوية الأزمة عائقاً كبيراً أمام أن تصبح المحادثات مثمرة.

هناك عائق كبير آخر في هذه العملية وهو الفجوة بين النفسية السياسية للنظام والنفسية السياسية للمعارضة، فقد ذهبت المعارضة إلى جنيف بنفسية سياسية ضعيفة كثيراً؛ نتيجةً للضغط عليها وتهديدها من جانب الداعمين الدوليين والإقليميين من أجل حضور المؤتمر، ولتقييدها وقصفها على الأرض من جانب الروسيين والنظام.

وذهب النظام على الجانب الآخر إلى المحادثات في حالة متفائلة؛ لأنَّه مدعوم بالحملة العسكرية التي تشنها كلٌّ من روسيا وحزب الله وإيران، ولأنَّه حصل على المزيد من الشرعية الدولية.

فالفجوة بين نفسيتيهم السياسية تسد شهية النظام عن أي تنازلات وتُقوِّض إيمان المعارضة بأي تسوية سياسية، هناك حاجة إلى مواجهة هذه الفجوة، إذ لابد أن تبدأ أي عملية سياسية بتأسيس بعضٍ من التوازن في النفسية السياسية، ويتطلَّب هذا موقفاً حاسماً من جانب داعمي المعارضة الإقليميين والدوليين في مساعدتها عبر الضغط على روسيا والنظام من أجل وقف الاعتداءات العسكرية خلال عقد المحادثات واستمرارها.

ومن ثم، فإنَّ محادثات "جنيف 3" لم تفشل لأنَّ حضورها – وخاصةً المعارضة – رغب في فشلها، وإنَّما لأنَّها بُنيت أساساً على مقدمات خاطئة وافتراضات معيبة.

هذه المقالة مترجمة عن النسخة الأصلية المنشورة باللغة الإنجليزية على "MiddleEastEye". للاطلاع على المقالة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد