حتى يبعث الله المنطق من مرقده، يبطل النقاش -أي نقاش- في هذا الواقع..
(1)
في الذكرى الخامسة للثورة، كان من المفترض إتاحة الفرصة لحوار جاد باتجاه المشهد المغلق، والتفكير في سبل البحث عن انفراجة قريبة، ومساحة تستوعب الفرقاء، بعد اتساع دائرة الإحباط القائم القاتم، لكنّها متلازمة الاستعداء، والسعي لانتصار فارغ لدى كل الأطراف.
ليس كل سكون آمنًا، ولا كل رياح عاتية، تثير ذعر المشردين!
(2)
"لولا رجال الشرطة، كان "الواقي الذكري" هيبقى جنب أمك".. سيد علي في برنامجه "حضرة المواطن"!
في إحدى مقاهي وسط القاهرة -صيف 2011- كان الإعلامي صاحب واقعة "تامر من غمرة" يتمسح في شباب 25 يناير، أملًا في إعادته مرةً أخرى لمقعد في إحدى الفضائيات، بعد تصنيفه ضمن القائمة السوداء -الطريدة وقتئذ- على خلفية إهانته لميدان التحرير خلال ليالي الثورة، وقتها كان "سيد" يتغزل في الميدان، وشبابه، ويصب غضبه على ممارسات الشرطة، حيث كانت السبوبة تقتضي التنصل من ماضيه، وتحيل إلى ضرورة تغيير الجلد، تجنبًا لـ"قعدة البيت"..
تقول جدتي رحمها الله: ماتخافش من "العاهرة" اللفظ الأصلي مخالف للآداب العامة، وخاف من خلفتها!
(3)
نرفض تصرف أحمد مالك، وشادي أبوزيد، تجاه مجند الشرطة، انحيازًا لإنسانيته، نرفض أيضًا تعليقات الذين لم يُستدل على إنسانيتهم بعد..
يساق المجتمع إلى سواد حالك، يعمي كل الأطراف عن فريضة المنطق الغائبة، حيث بدت واقعة "الواقي الذكري"، فرصةً سانحة لـ"اصطياد" في ماء عكر، دون إعطاء العقلاء مهلة لاستقراء البعد النفسي، لدى شباب ناشئ في "مرحلة الفوران"، وعلا صوت المزايدة التي أحالت من قبل اللاعب أحمد الميرغني إلى إغلاق صفحة مستقبله الكروي، رغم بيان رئاسي يتبرأ من فرض أوامر على الأندية الكبرى للإطاحة باللاعب.
في مقابل دعوات محاكمة شابين صغيرين، على تصرف غير إخلاقي، طفت على سطح الواقعة استدعاءات شباب الثورة لـ"صورة مجند أحداث مجلس الوزراء"، والتي يُخرج فيها للمتظاهرون "عضوه الذكري" من أعلى مبنى مجلس الشعب، بما يشير إلى عمق الأزمة، الكامن في ذاكرة عدائية، على حساب ضرورة التنقيب في أصول الوقائع التي بدت رغم تتابع السنوات، كرماد يحتفظ بقدرته الهائلة على الاشتعال، وحيث بدت المطالب واحدة بالاحتكام للقانون، فإن الواجب يحتم ضرورة محاكمة من فقأ أعين المتظاهرين، وسحل الفتيات، مقابل محاكمة من سخر من المجند، حتى يستقر العدل.
الاستيعاب، يقتل الاستقطاب، فلا تقنعوا أنفسكم بأوهام الرهانات الخاسرة على عنصر الوقت!
(4)
"أنا واحد عادي بيهزر، وبيسخر وبيخاف كمان.. وعلى قد ما أنا خايف بس بحاول أتمسك بأفكاري".. شادي أبوزيد صاحب فيديو "بالونات الشرطة".
لماذا لا يؤخذ الأمر برمته على أنه تصرف طائش، من شباب ساخر، قياسًا على ما كان في واقعة أمين شرطة قسم إمبابة الذي لم يتمالك نفسه، فأطلق رصاصة على متهم، أرداه قتيلًا؟!
العدل المطلق، لا يستقيم مع أولئك الداعين إلى "طرح الشابين أرضًا"، تحت زعم كاذب، أنهم من قبل الواقعة "كانوا قومًا صالحين"، العدل هو إيقاف ضوضاء النفاق، لصالح مجتمع إنساني يتسع للجميع.
(5)
الذين تبنوا من قبل التحريض، والانتقام، عبر إلقاء طفل في "غيابة الجب"، أجبروا بعد بضع سنين على استجدائه في مذلة القول "استغفر لنا"!
لاصوت الآن فوق صوت الإطاحة بالشابين "أحمد مالك"، و"شادي أبوزيد"، عبر أبواق إعلامية لا تسمع إلا صوتًا واحدًا، ولا تتسع مقاعدها، إلا لمختزلي الوطن في أشخاصهم، ونحن الذين لا نملك حتى حق السؤال، نطرح السؤال: أيهما أكثر إحراجًا للوطن، فضيحة فريق كرة الجرس للمكفوفين في بولندا، التي لم يعتذر عنها أحد، أم تصرف عفوي -بحكم مرحلة عمرية- اعتذر عنه منفذوه؟!
(6)
حق المجند أن يتقبل الاعتذار أو يرفضه، هذا لأن أبرز أهداف الثورة احترام إنسانية الفرد، أي فرد، دون تمييز لأحد على أحد، و حق الشابين أيضًا، أن يتوقف الفاشيون المتلونون عن فاشيتهم، ويتركوا الأمر لتقديرات طرفيه.
"بعتذر بشدة لكل شخص أساء إليه الفيديو، وخاصة الشرطة، الفيديو فعلاً فيه تجاوزات لم أتوقع أنها تخرج برة دايرة الأصدقاء، ودا مش مبرر للخطأ، أنا عمري عشرين سنة، وساعات في السن دا الأفكار المتهورة بتسبق التفكير العقلاني، وللأسف الغلطات دلوقتي بقت مسجلة ومصورة ودا بيديها عمر، وحجم أكبر، من حجمها الحقيقي".. أحمد مالك.
أدت إدانة واقعة "الكوندوم" رسالتها، وأسفرت عن اعتذار مرصع بالخجل، فمتى تؤتي إدانات انتهاك الإنسانية ثمارها؟!
(7)
جاء المحرضون على سحل الشباب، إلى موقع الحدث، ليصبوا زيت الكراهية على نار الاستقطاب، سينجحون، لكنها النار التي يومًا ما ستحرقهم حال استمرار "طريقة المكايدة"..
في قصة مشابهة قيل: هذه بضاعتهم ردت إليهم!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.