عندما يكون الخطاب الطائفي مباحاً

إيران جنّ جنونها عندما أعدمت السعودية الشيخ نمر النمر. لكن ماذا عن مئات المعتقلين "السنة" في سجونها الذين تعدمهم إيران سنوياً؟ لماذا لا يخرج دعاة ونشطاء حقوق الإنسان للحديث عن هذا الأمر؟ لا أعرف..

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/25 الساعة 03:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/25 الساعة 03:44 بتوقيت غرينتش

صباح يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني صباح يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني 2016
تفجيرٌ انتحاريّ في إسطنبول في ساحة جامع السلطان أحمد، الجامع الأزرق، الجامع ذي الست منارات، الجامع الذي يُعتبر من أهم وأكبر الجوامع في العالم.

صمتٌ عالمي مطبق وكأنّ شيئاً لم يكن.

الضحايا في ساحة المسجد، الشرطة في كل مكان، الناس مذهولون.

آلمني المشهد كثيراً، ليس لأنّني -وياللأسفـ لم أعتد على رؤية الموت والدم والدمار، بل لأنّ ذلك المشهد جسّد كيف يمكن خلال ثوانٍ معدودة تحويل إحدى أجمل ساحات المساجد في العالم إلى ساحة دمٍ وموت. لم يكن يخطر في بالي يوماً ما أنّني سأرى ساحة الجامع الأزرق ـجامع السلطان أحمدـ بهذا الشكل..

في البداية، كان هناك تغطية نوعاً ما جيدة لما حصل، كونه حدثا في عاصمة مهمة من عواصم العالم. لكن مع مرور بضع ساعات سرعان ما تحوّل الأمر إلى مجرّد عناوين إخبارية كغيرها. وهنا أتساءل، لماذا؟ لماذا لم يحظَ انفجار إسطنبول بالقدر نفسه من الاهتمام الذي حظيت به جميع الحوادث "الإرهابية" في بلدانٍ أخرى؟

في الحقيقة، الجوابُ ليس صعباً ولا معقداً. إسطنبول تقعُ في بلدٍ مسلم. الحكومة والإعلام التركيان بالطبع لن يشنّا حملة إعلامية تتّهم الإسلام بأنّه دينٌ عنيف والمسلمين بأنّهم طائفيون. وهذا ما جعل انفجار إسطنبول مجرّد حادثٍ عابر. وبعد تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان باحتمالية أنّ الهجوم نفّذه انتحاريّ له علاقة بما تُسمّى "الدولة الإسلامية" انخفض مستوى الاهتمام بالحدث أكثر. لأنّه ببساطة يدحض كل الادّعاءات بأنّ تركيا تدعم إرهاب "داعش"، وهذا ما لا يريد إظهاره كثيرون لأنه لا يخدم أجنداتهم السياسية. ولهذا لم نر "هاشتاغات" التضامن مع إسطنبول والصلاة لها كما رأينا مع دولٍ أخرى..

هذا هو التعاطف الانتقائي، هذه هي الإنسانية الانتقائية، وهذه هي المبادئ الانتقائية.
ما هي الطائفية؟ ومن يحدّد إذا كنت طائفياً أم لا؟ ومتى تكون طائفياً ومتى تكون مدافع عن الحقوق؟ أعتقد أنّه أصبح هناك التباسٌ واضح وجليّ في هذا الشأن. حقوق الأقليات وحماية الأقليات، عرقية كانت أم دينية، أصبح فعلاً على حساب الأكثريات. وللأسف بقدرِ ما أستصعبُ استخدام كلمتي أكثرية وأقلية، إلا أنّها أصبحت هي محور كلّ حديث وكلّ أزمة. في سوريا، في مصر، في العراق، في تركيا، في لبنان، في اليمن، في فلسطين، وحتى في إيران نرى تجلّيات الخطاب الطائفي، هذه المرة ليس من قبل الأكثرية بل من قبل الأقلية.

إيران جنّ جنونها عندما أعدمت السعودية الشيخ نمر النمر. لكن ماذا عن مئات المعتقلين "السنة" في سجونها الذين تعدمهم إيران سنوياً؟ لماذا لا يخرج دعاة ونشطاء حقوق الإنسان للحديث عن هذا الأمر؟ لا أعرف..

العراق ضمن أعلى نسب العالم من حيث الإعدامات والأحكام القضائية غير العادلة والفاضحة بحق المواطنين "السنة". وحالياً تقوم الميليشيات التابعة لإيران وغيرها من المرجعيات العراقية بالتنكيل "بإخوانهم من الطائفة الأخرى" على مرأى ومسمع العالم أجمع. ثم يأتي دعاة ونشطاء حقوق الإنسان ويقولون لنا "ابتعدوا عن الخطاب الطائفي". نعم سنبتعد عن الخطاب الطائفي، لكن عندما تعترفون أنتم بأنّ لا فضل لطائفة على أخرى.

كذلك كان الحالُ عندما انصبّ تركيز العالم أجمع في صيف 2014 على عين العرب ـ كوباني. وبدأت الحملات التضامنية مع الأكراد كونهم يحاربون "داعش". لكن ماذا عن العرب الذين تنكّل داعش بهم يومياً في الرقة ولا أحد يكترث؟ أم لأنهم عرب وأكثرية فلا ضرر إن مات بعضهم؟

ولا ننسى طبعاً لبنان عندما يقوم الجيش اللبناني بالاستقواء على السنة بحجة "محاربة الإرهاب" ناسين ـ وعلى الأغلب متناسين ـ أنّ الإرهاب ليس في الشمال فقط، بل يوجد الكثير منه في الجنوب أيضاً. خاصة أنّ هؤلاء الذين في الجنوب لا يقصّرون في حقّ جيرانهم. وإن تفوَّهنا بكلمة وقلنا لماذا؟ يبدأ المنظرّون بقول "ابتعدوا عن الخطاب الطائفي".

أما في سوريا، فميليشيات النظام السوري تذبح بالسكاكين "الأكثرية" وتغتصب نساءهم وتقصفهم وتشرّدهم. ودعاة ونشطاء حقوق الإنسان لا يكترثون حتى لذلك، وعندما يحصل انفجار في منطقة موالية للنظام يهرعون لإظهار "تضامنهم مع الإنسانية" ويستنكرون الواقعة. وكأنّه أصبح هناك ما يُعرف بـ"موضة" التضامن مع الأقليات.

لا يوجد أدنى شك أنّ الخطاب الطائفي من شأنه أن يزيد من التفرقة والاحتقان. وبكل تأكيد يجب على العقلاء من كل طائفة أن يدعوا للتهدئة. وعلى الجميع أن يفهم أنّ هناك خيطا رفيعا جداً بين الطائفية والدفاع عن الحق. ويجب ألا ينسى أحد أنّه عندما يتم التنكيل بالأكثرية وظلمها ووقوف العالم متفرجاً عليها، عندها سيحق للأكثرية أن تصرخ بأعلى صوتها وتقول بكل ما أوتيت من عزم: لا للطائفية!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد