بمصطلح الإرهاب نحارَب، وبمصطلح الإرهاب نُقتَل، تارةً بسيف الإرهاب نفسه، وتارة بأسلحة من يدَّعون حربه.. حتى غدا الإرهاب وحشاً مفترساً يخيفنا، فلا نكاد نحمي أولادنا منه حتى ندفع نحن ثمنه.
وعلى الضفة المقابلة لقوى العالم التي تدّعي أنها تحارب الإرهاب.. يقف السوريون اليوم يتابعون طقوس قتلهم وقصفهم وتهجيرهم، وهم يدركون مراحل تشكُّل وحش الإرهاب الذي وُلد من رحم التطرف، بعد أن حبلت به الأمة سنين طويلة، فكانت في كل سنة تغذي حملها هذا بأثمان باهظة دفعتها، وهي تخضع لظروف قاسية عاشتها تتمثل في:
– التطرف اللاديني الذي مارسه كثير من الحكام والمستبدين والطغاة بحق شعوبهم التي كان -وما زال- الإسلام هويةً لها، فمارسوا بحقهم الحصار والتضييق على ممارسة الشعائر الدينية، بدءاً من الحجاب وانتهاء بالسماح بالصلاة في أماكن العمل ووحدات الجيش، الأمر الذي جعل هذه البيئات صالحة ليرتع التطرف فيها ويتغذى لأن كل فعل يقابله رد فعل.
– سيطرة الأنظمة القمعية والمستبدة على المؤسسة الدينية، وجعلها خاضعة لها تسير في رِكابها وتلوي أعناق النصوص لتطيل أمد عبودية الشعوب، جاعلة ذلك كله من صلب العقيدة، فالحاكم هو ولي الأمر الذي ولاه الله تعالى أمر هذه الأمة، مهما كانت وسيلة وصوله للسلطة، فهو يحكم بإرادة الله، وليس على الشعوب إلا السمع والطاعة، ولو كان هذا الحاكم ظالماً مستبيحاً لمحارم الله وحدوده، فطاعته واجبة، والقيام عليه شقٌّ لعصا الطاعة، وإثم عظيم، الأمر الذي جعل الشعوب تفقد الثقة في علمائها ودعاتها، وترى أن ما يدعون إليه ليس وسطيةً بل خضوعاً للحكام والطغاة، وبالتالي صارت الفرصة مهيئة لظهور أشخاص يدَّعون العلم ويسيرون بالشعوب المتطلعة للخلاص إلى التطرف والتشدد والغلو.
– إمعان الأنظمة المستبدة في إفقار شعوبها، ونهب خيراتهم، وأكل أرزاقهم، وشغلهم بلقمة عيشهم لصدِّهم عن أمور الحكم، والتطلع للحرية والعدالة والكرامة، الأمر الذي جعل هذه الشعوب تشعر ألا شيء لديها لتخسره، وأن الموت السريع مضمون النهاية هدفٌ سامٍ للراحة من عناء الدنيا، وللتنعم بمباهج حُرِموا منها، فلا مانعَ للوصول لهذا الهدف بأي نوع من القتل أو الذبح ما دام أن وراءه يختبئ الموت الموصل للنعيم..
الجهل الذي يرافق الفقر، والذي يجعل العقول تربة صالحة لغرس الأفكار واحتلال العقول، ونشر الأوبئة الفكرية بكل أنواعها، الأمر الذي سهَّل العمل أمام دعاة الإرهاب لتقديم أفكارهم وتفسيراتهم للقرآن والحديث على أن هذا ما أمر الله به ودعا رسول الله إليه..
– الممارسات التغريبية التي تقوم بها المجتمعات القوية من خلال السيطرة الفكرية والثقافية والإعلامية والاقتصادية بحق شعوبنا، والتي تهدف إلى الإمعان في إضعافنا، ومحو هويتنا، وجعلنا تابعين أمناء لهم، الأمر الذي جعل البيئة لدينا صالحة لنمو التطرف المقابل حفاظاً على الهوية وتمسكاً بها.
– الإرهاب العالمي الذي تمارسه القوى العالمية علينا بدءاً من سلب خيراتنا وانتهاء بغزو أراضينا وممارسة أنكل وأبشع أساليب التعذيب علينا، كجرائم قتل المسلمين في بورما والبوسنة وأفغانستان والعراق كما حدث في سجن أبو غريب وفي معتقل غوانتانمو وغيرها، الأمر الذي عزز فكرة الجهاد ونماها على نحو لا يحقق للأمة عزاً ولا يرفع لها شأنها، بل يتجاوز فيه الجهاد مقاصده متطرفاً على جناح الجهل، ساقطاً بالأمة نحو هاوية لا تزال كل يوم تدفع في سقوطها المزيد من الأثمان.
هذه الأمور وغيرها جعلت البيئة العربية والإسلامية عموماً تربةً صالحة للتطرف بأنواعه حتى صرنا نُقتل وتُسفك دماؤنا مع نداء (الله أكبر) وتحت راية (لا إله إلا الله) التي يرفعها المتطرفون دون أن يكون أيٌّ من ذلك قائماً على أساس من علم أو فقه أو دين..
واقع لا يعيه السوريون وحدهم، بل كل الشعوب التي أرادت لربيعها العربي أن يزهر، فإذا به يطرح عُليقاً وشوكاً.
واليوم ومع القصف الروسي الفاشي الذي يقدم للعالم بأسره فلم قتلنا وسفك دمائنا على الهواء مباشرة بحجة الإرهاب دون أن يخطر في بال أحد أن تنظيم داعش المكون من 30 ألف مقاتل تقريباً لو أصيب بصاروخ واحد كل غارة نفَّذتها قوى التحالف أو روسيا لتمت إبداته عن بكرة أبيه وأمه وأهله أجميعن، وخصوصاً إذا عرفنا أن الغارات التي صارت منفَّذةً بحجة إبداته تفوق بعددها الثلاثين ألفاً بكثير..
لذلك فقد صارت أسطوانة محاربة الإرهاب أسطوانة مشروخة مكسورة بعد أن انكشفت سوءة ملحنيها ومغنيها الذين قدموا للتاريخ سجلاً أسود كل يوم يزيدون فيه صفحة بينما يردد السوريون الحقيقة الوحيدة التي تقول:
إذا أردتم القضاء على الإرهاب فلا تحاربوه بل جففوا منابعه
فهل أنتم فاعلون؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.