"أهلاً بك في منزلك الجديد" هكذا استقبل جاستن ترودو بنفسه أول فوج من اللاجئين السوريين. حياهم، منح الطفلة الصغيرة التي ابتسمت رغم التعب دبدوباً صغيراً وألبس أخرى معطفاً جديداً، وقال لهم: "ستخرجون من هذا المطار مقيمين دائمين تتمتعون بحقوق التأمين الصحي المجاني مع إمكانية حصولكم على الجنسية الكندية خلال السنوات القادمة".
ترودو وفي خطابه الذي سبق وصول اللاجئين قال: "شكرا لحضوركم، لابتساماتكم الجميلة، هذه الليلة رائعة، ليس فقط لأننا سنُظهر لطائرة محملة بكنديين جدد ما هي كندا، ولكن لأننا سنُري العالم كيف نفتح قلوبنا لاستقبال أناس يفرون من ظروف صعبة للغاية.
الأمر لا يتعلق فقط باستقبالهم الليلة، بل بالعمل الشاق الذي علينا إنجازه في الأسابيع والأشهر وربما السنوات القادمة لنتأكد من أن كل من يصل اليوم سيستطيع بناء الحياة التي يتمناها لنفسه وعائلته وبالتالي سيساهم في استمرارية النمو لهذا البلد المتميز.
هذا شيء بمقدورنا فعله بكندا، لأننا لا نعرف الكندي بالعرق، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو ماضيه، ولكن بتقاسمه للقيم والأحلام، والأهداف، التي لا تهم الكنديين وحدهم بل الإنسانية جمعاء".
بهذا الخطاب وهذه الروح تستقبل كندا اللاجئين السوريين، بعد أن أُغلقت دونهم الحدود، ورُفعت في وجوههم الأسوار والأسلاك الشائكة، وتُركوا للبرد ينهش أجسادهم، للبحر يلتقم أطفالهم، وللخيام الواهية تحاصر من بقي منهم.
ورغم أن بعض المنتقديين سيصرخون هم فقط 25 ألف من ملايين المشتتين في الأرض، إلا أن العبرة ليست في العدد، رغم أن العدد مهم، العبرة في الطريقة والهدف، العبرة ها هنا في القلب.
ترودو الشاب الذي عمل مدرساً في بداية حياته ومارس الملاكمة وعمل مدربا للقفز بالحبال وأظهر مهارات في ممارسة بعض الألعاب البهلوانية، يمشي بخطى متزنة على الحبل الذي يزداد دقة في التعامل مع الأزمات السياسية والإسلامية.
هو ينقل هذه الكرات الساخنة باحترافية إنسانية قل مثيلها، ففي حين تنتفض بعض الدول الأوربية لرفض اللاجئين وطردهم وتتحفز لمحاربة الجهات الخطأ، وفي حين يخرج دونالد ترامب بخطابات لا تبث إلا سموم الكراهية والعداء والعنصرية، ممثلا في خطابه وأفكاره كل ما لا تمثله الولايات المتحدة دستورا وأغلبية، يخرج ترودو بابتسامة واثقة ليعلن سحب المقاتلات الكندية من العراق وسوريا، وليؤسس حكومة نصفها نساءً، تحوي مسلمة عربية وشيخاً وذوي احتياجات خاصة.
ترودو يعلم أن ما يميز بلاده هو هذا النسيج المتنوع القائم على جميع الأعراق والديانات واللغات، ويظهر ذلك في خطابه الذي ألقاه عقب فوزه بالانتخابات حيث قال: "نحن نؤمن بقلوبنا أن التنوع نعمة أنعمتها علينا الأجيال الكندية السابقة، جميع الكنديين يعرفون ذلك، وهم يريدون حكومة ذات رؤية وخطة طموحة وإيجابية، وأنا أعدكم أنني سأقود هذه الحكومة لتحقيق هذه الرؤية، سنهزم الخوف بالأمل ونهزم الشكوك بالعمل الجاد، ونهزم السلبية والسياسات التي سببت الخلاف بالرؤية الإيجابية التي ستجعل الكنديين يعملون معاً".
هذه الكلمات أساس العدل، والفيديو الذي انتشر لجوقة أطفال كنديين يقترب عددهم من المئة يمثلون مختلف الأعراق والأديان ويغنون "طلع البدر علينا" في حفل استقبال اللاجئين، يبث في الروح بصيص أمل.
اختيار هذه الأغنية بالذات بتاريخها وحيثياتها يلعب دوراً مهماً في كسب القلوب، وتشكيل صورة شبيهة عن دور النصرة الذي تلعبه كندا في حياة هؤلاء اللاجئين، فها هي كندا شعباً وحكومةً تفتح لهم الأبواب والقلوب لتشاركهم الحياة وتساعدهم على بناء حياة.
يذكرني هذا بالرسول الكريم حين أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة وقال: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه".
شكرا لك ترودو، شكرا لك كندا، لأنكم قبل كل شيء فتحتم قلوبكم، وكما قال حاتم الطائي:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله … ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى … ولكنما وجه الكريم خصيب